منذ اعلان قرار القضاء البريطاني أمر اعتقال بحق وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة ورئيسة حزب «كاديما» تسيبي ليفني على خلفية ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة لم تهدأ الآلة الاعلامية وكذا الديبلوماسية عن القيام بحملة منظمة لادانة القضاء البريطاني وصرف الانظار عن جرائم الحرب الحقيقية والظاهرة للعيان التي ارتكبها القادة السياسيون والعسكريون في اسرائيل والوقوف مرة اخرى في موقف الدفاع عن النفس من «ارهابيين» يهددون أمن اسرائيل ورجال قضاء يعكرون على قادتها صفو رحلاتهم الى لندن والى غيرها من بلاد الأرض. والملاحظ في هذه الحملة انها لجأت الى استخدام عبارات لم يعهدها الخطاب الاسرائيلي الذي صار يتحدث عن الأخلاقي واللاأخلاقي فرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سارع الى الدفاع بقوة حتى عن خصومه السياسيين (ايهود أولمرت وتسيبي ليفني) وعن جنود الجيش الذي قتل الأطفال والنساء وشرد مئات العائلات ودمر مئات المنازل فوق رؤوس ساكنيها وتعمد قتل عشرات المدنيين الذين كانوا يرفعون الرايات البيضاء طالبين الأمان ووصف هؤلاء الجنود بأنهم دافعوا ببسالة وبصورة أخلاقية عن مواطني اسرائيل ضد عدو مجرم وقاس في اشارة الى المقاومين الفلسطينيين. أما رئيس مجلس الأمن القومي الاسرائيلي عوزي أراد فتحدث في رسالة الى القيادة البريطانية عن «محاولات غير أخلاقية تهدف الى المساس بقدرة اسرائيل على حماية نفسها» في اشارة الى مذكرات الاعتقال التي شملت ليفني ومن قبلها ايهود باراك وشاؤول موفاز. والحقيقة ان هذه الحملة نجحت في تحريك القيادة السياسية البريطانية التي أحست انها محاصرة ومدانة، ومحرجة أمام اسرائيل مع انه يفترض الا تتدخل القيادة السياسية في عمل القضاء ومع ان بريطانيا وغيرها من دول الغرب وحتى اسرائيل نفسها كثيرا ما تتبجح بنظمها الديمقراطية التي من ثوابتها استقلالية القضاء والفصل بين السلط. ويبدو ان اللهجة الحادة التي اعتمدتها الديبلوماسية الاسرائيلية ومنها قول وزير الخارجية في حكومة الاحتلال أفيغدور ليبرمان انه من دون تصحيح هذا النهج ستحرم لندن نفسها من امكانية القيام بأي دور في عملية السلام» قد وضعت بريطانيا في الزاوية حتى بادر وزير خارجيتها ديفيد ميليباند الى التعبير عن قلقه حيال الوضع الراهن ووعد بأن تعمل حكومته على تغيير الوضع القانوني في المملكة. وأخطر ما في هذا الأمر أن اسرائيل نجحت في غضون يومين فحسب من الضغوط في الحصول على ما تريد وفي عكس القاعدة الخاضعة لمنطق الأشياء وهي ان مجرم الحرب الحقيقي هو الذي ينبغي ان يعدل من سلوكه ويمتنع عن القيام بجرائم مستقبلا لا أن تعدل التشريعات لتصبح على مقاسه وفي خدمته وحمايته وهو ما يمنحه ضوءا أخضر للتمادي في اعتداءاته. ومرة أخرى تنجح اسرائيل في غضون يومين في ما فشل فيه العرب (وهم الضحية) والغرب (بتشريعاته ومنظماته المدافعة عن حقوق الانسان) على امتداد عقود بعد ان تمكنت من تبرئة ذمة المجرم أرييل شارون واجبار بلجيكا على التخلي عن قانون الاختصاص العالمي الذي يبيح محاكمة مجرمي الحرب أنا كانت الأرض التي ارتكبت فيها تلك الجرائم، ونجحت في اجهاض قانون مماثل كان ساريا في اسبانيا. اسرائيل اجرمت مرتين بل مرات ... اجرمت على الأرض حين قتلت الأبرياء وارتكبت أبشع المجازر وأجرمت سياسيا بتحركاتها التي كممت الأفواه ومنعت اعلاء كلمة حق تدافع عن دماء أولئك الأبرياء لتقتص من المذنبين وهذا منتهى الاسفاف الأخلاقي الذي قامت على أساسه اسرائيل مهما حاول قادتها تجميل الصورة.