مرسل الكسيبي*-صحف-الوسط التونسية: مناشدة مجموعة ال67 للرئيس بن علي بالبقاء في السلطة تحيل القارئ تاريخيا على تكتيكات الرئيس بورقيبة , حين صاح متحزبوه في اجتماع مغلق مطلع السبعينات من القرن الماضي: بورقيبة مدى الحياة , بورقيبة مدى الحياة ..., ليتم تنقيح الدستور لاحقا يوم 27 ديسمبر 1974 ويتم اعلان رئاسته "الأبدية" للبلاد ... يبدو أن الرئيس الحالي قد اعتمد استراتيجية الري "قطرة قطرة" , فهذا الأخير يعمد اليوم الى سلوك نفس المسلك ولكن بطريقة التحايل على الدستور كل 5 أو عشر سنوات , والنتيجة في الأخير واحدة وهي البقاء على الكرسي الى أن تأتي ساعة النداء الالهي ,غير أن بورقيبة ترك الباب مفتوحا أمام انتقال السلطة الى الوسط الأمني أو السياسي حين شيخوخته , أما الرئيس الحالي فعيناه وأعين زوجته تحومان حول العرش بأنفاس توريثية... نفس الاستراتيجية يعتمدها اليوم بن علي عند الترفيع في الأسعار , اذ يقوم بتجزئة الزيادة على ثلاثيات شهرية , ليجد المواطن المسكين نفسه أمام أسعار نارية متصاعدة مطلع كل سنة دراسية ... واذا اشتهر الرئيس الراحل بورقيبة بسياسة المراحل أو الخطوة خطوة, فان التاريخ والممارسة شهدا بعكس ذلك في طلبه للسلطة بعد الاستقلال , أو في طلبه رأس المعارضات ابتداء من حقبة الخمسينات , أو في اقدامه على زيادات مشطة في الأسعار مطلع الثمانينات من القرن العشرين... تعلم بن علي من سلفه السابق تحقيق نفس الأهداف , لكن بتجسيد المرحلية والتدرج في خداع معارضيه , اذ أقنعهم مطلع التسعينات بأن حملته الأمنية ستقتصر على حصاد منابع التيار الاسلامي , وقد أفلح في خديعة الكثيرين بثمن الوزارة والديوان والرشى المالية ونظام فاحش من الامتيازات , ثم تكشف الأمر على كارثة كبرى حين اتضح للجميع أن الرأس المطلوب هو الكرامة والحريات لكل أبناء تونس وبناتها من الشرفاء... تحدث بن علي عن محاربة الفساد والرشوة ومظاهر الاحتكار داخل أجهزة الدولة , وخدع عيون الناس بزيارات قيل أنها فجئية .., ثم تكشف الوضع على أصهار يملك بعضهم ثروة سنوية لاتقل عن 150 مليون يورو , وعن بنوك برأس مال يحوم حول تخوم 100 مليون دولار , دون أن نتحدث عن وضع اليد على شركات الاتصال الحديث والمواصلات الجوية ومبيعات السيارات وخدمات الطاقة والوقود والمساحات التجارية الكبرى , ودون أن نغفل عن ملكية المرافئ السياحية والفنادق وشركات العقارات , ولاتنسوا الاعلام والاشهار فقد أصبح كلأ مباحا لعائلات امبراطورية تتمتع بمغانم المصاهرة... رحم الله بورقيبة , فقد تشبث بالسلطة ومارس القمع , لكنه خرج وعائلته من السلطة "بباكيتة" قيل أنها ضربت ابنه الحبيب حين عاتبه على البذخ في احدى النوادي الليلية ... ولانريد العودة الى مربعات التعذيب وحقوق الانسان , حيث استبدل بن علي مصطلح التداول على السلطة بالتداول على المنافي والسجون لمعارضيه , وأفرغ القاموس السياسي من معانيه وحول حقائق الألفاظ الى عكس مافي دلالاتها , لينتهي بنا الحال الى اعتماده نظرية "الحكم بالأضداد" واتخاذ أسوأ مافي كتاب الأمير لماكيافيلي نهجا رسميا في تسيير شؤون البلاد ... هذه هي الحقائق السياسية التي طالما تجاسرت المعارضة على اخفائها طمعا في الاصلاح , وقد أعجبني كلام الأستاذ أحمد نجيب الشابي حين قال لي يوما ما بأنه خبر الرئيس الحالي طيلة التسعينات واعتقد بأن تونس قد رزقت خير دين ثاني - في اشارة الى المصلح خير الدين التونسي-, ثم انتهى به الأمر الى التفريط في الجوازات الثلاثة وفي سيارة التشريفات التي كانت تحمله الى القصر الرئاسي, ويستقر به الأمر على اعتماد نهج المعارضة الجذرية في مواجهة الاستبداد ... تجربة الشيخ الغنوشي انتهت به أيضا بعد لقاء بن علي الى اتخاذ المنفى منطلقا للنضال , بعد أن كانت اخر كلماته له "سلم لي على الاخوان" ...فكان سلامه عليهم بعكس مافي مضمون الكلمة سجونا وتعذيبا ومنافي... أما الدكتور المرزوقي فقد استقبله القصر , وحظي بلقاء الرئيس وانتهى به الأمر الى تهديد ووعيد على رشح مافي دخان السيجارة ... ولكم أن تسألوا السيدة سهام بن سدرين أيضا , فقد أخذت الى القصر الرئاسي مطلع التسعينات وحين رفضت لقاء الحاكم بأمره , انتهى الأمر الى استعمال الصحف الصفراء في تصفية الحساب عبر فبركة حديث الدعارة... أما محمد مواعدة الذي أصبح اليوم عضوا لمجلس المستشارين , فقد حملوه الى السجن أواسط التسعينات حين كتب رسالة صادقة ومفتوحة الى الرئيس , وقد روى حين توجهه الى لندن قصة وضعه في الزنزانة مدة ست ساعات مع حرمانه من الذهاب الى دورة المياه , والنتيجة نتركها الى ذكاء القارئ... مثل هذا الرئيس نناشده بحق كل هذه المنجزات أن يواصل مشوار القيادة ..., ولكم أن تعلموا نهاية المشوار حين يصبح الوطن ضيعة عائلية تتناهشها أطماع بلانهاية ... واقع نواجهه اليوم بعلو الهمة وسمو الارادة , فاما العزة والكرامة لكل أبناء تونس , أو الخنوع والاستسلام ونهاية الوطن بين أيدي مفترسيه ..., وأحسب أن اللحظة التاريخية تحتم علينا جميعا كتونسيين ابتكار الوسيلة وابداع الطريقة وتجديد السبل من أجل انهاء الكابوس , ومن ثمة وضع الوطن على طريق الاصلاح الحقيقي ودولة المواطنة وقداسة الجمهورية ... لدينا من الوسائل المدنية والسلمية مايفسح لنا الطريق أمام تصحيح مسار البلاد , وشعار لاللتمديد لاللتوريث , ينبغي أن يتحول الى شعار المرحلة في كل الفضاءات , والعريضة أسلوبنا الأولي في ذلك , ومجموعات الفايسبوك والمواقع الالكترونية والمدونات والفضائيات لابد أن تنطلق في تدشين اللحظة التاريخية ... النخبة التونسية شجاعة ومتألقة , وشبابنا ديمقراطي وتقدمي لايريد العودة الى زمن صمت القصور , أما أحزابنا فلابد أن ترفع الرأس عاليا وتتجاوز زمن المطالبة باصلاح شبكات الكهرباء وقنوات التطهير وتعبيد الطرقات..., فذاك من تحصيل الحاصل في واجبات الدولة... دعونا نلقنهم الدرس بأننا قد تجاوزنا زمن العبودية , وبأن "التوانسة" شعب يريد الحياة بعزة وكرامة وحرية... انها لحظة تاريخية من أجل استعادة تونس من قراصنة الاستقلال ..., والثمن هو الشجاعة والمبادرة وعلو الهمة , وأظن أن الفرصة ذهبية , وسيشهد العالم بعدها بأننا شعب يريد صناعة الأمل والحياة ... كتبه مرسل الكسيبي* بتاريخ 13 أوت 2010 - 3 رمضان 1431 ه. *كاتب واعلامي تونسي . -صحيفة الوسط التونسية