الانتخابات الرئاسية الأمريكية: مواجهة حادة بين والز وفانس في مناظرة نائب الرئيس حول قضايا الشرق الأوسط والهجرة والاقتصاد    هيئة الأركان الإيرانية: سندمر البنية التحتية بشكل واسع في إسرائيل .. سنرد بقوة على أي اعتداء    رئيس الوزراء الفرنسي يدعو إلى سياسة أكثر صرامة في قضايا الهجرة والدمج    ضبط 22 مهاجرا تونسيا غير نظامي قبالة سواحل قرقنة بعد تداول إشاعات عن غرقهم    لدفع نسق إنجاز المشاريع الاستثمارية...وزير أملاك الدولة يدعو مصالحه إلى مزيد من الجرأة في اقتراح الإجراءات اللازمة    هيئة الأركان الإيرانية.. سندمر البنية التحتية بشكل واسع في إسرائيل .. سنرد بقوة على أي اعتداء    دوري أبطال أوروبا.. نتائج مباريات اليوم    أخبار النادي الإفريقي ..غلق «الفيراج» وعلي يوسف يغيب عن مواجهة جرجيس    عاجل/ رئاسية 2024: إحالة 19 شبهة جريمة انتخابيّة بمواقع التواصل الاجتماعي إلى النيابة العمومية    اتفاقية لتمويل موسم الحبوب    نفذها فلسطينيان وخلفت 8 قتلى و25 جريحا...أكبر عملية استشهادية في تل أبيب    بعثة من الجامعة العربية تلاحظ الانتخابات    من أجل تدليس التزكيات .. 12 سنة سجنا للعياشي الزمّ ال    المغزاوي: " اول اجراء سأقوم به الغاء الفصل 54 وتركيز المحكمة الدستورية إضافة لنشر ملفي الصحي ومكاسبي"    أولا وأخيرا ..ربيعنا وخريفهم    وزير الفلاحة يؤكد على ضرورة إحكام توزيع البذور والأسمدة في الآجال مع الرفع في نسق توزيعها    عاجل/ من بينهم امرأة: هذه حصيلة الإيقافات في حادث غرق مركب حرقة بجربة..    ضباب آخر الليل في هذه المناطق    المسعدين.. الاطاحة بشخص خطير صادرة ضده أحكام بالسجن    ميناء منزل بورقيبة التجاري: رسو سفينة محمّلة ب13 ألف طنّ من سماد الأمونيتر    تونس وألمانيا تشرعان في تنفيذ برنامجي تعاون فني لدعم البنية التحتية للجودة في مجالي التنمية الاقتصادية والهيدروجين الأخضر    تصفيات كاس امم افريقيا لاقل من 20 سنة -منطقة اتحاد شمال افريقيا - المنتخب التونسي يفتتح سلسلة مبارياته بمواجهة نظيره الليبي يوم 14 نوفمبر    وزير الشباب والرياضة: مشروع المدينة الرياضية بصفاقس لا يمكن انجازه في الوقت القريب نظرا لما يتطلبه من اعتمادات كبرى"    وزيرة التجهيز توصي بتسريع تنفيذ اشغال تدعيم الطريق الرابطة بين مفترق جلمة وحدود ولاية القصرين    المجلس البنكي والمالي والوكالة الايطالية للتعاون الانمائي يوقعان مذكرة تعاون لدفع الاستثمارات المستدامة    إيران لإسرائيل: سنستهدفكم مجدّدا برد مدمّر إذا ارتكبتم المزيد من الاعمال الخبيثة    حجز طن و350 كغ من السكر في فضاء تجاري بهذه الولاية    ستة أفلام تونسية تشارك في الدورة الأربعين من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي لدول البحر المتوسط    تأهيل الملعب البلدي بسليمان    عاجل: إلغاء إضراب عدد من المؤسسات التابعة لوزارة التشغيل    غرفة الطاقة الفولتوضوئية تُطالب بالإعفاء الكلي من المعاليم الديوانية    إعتمادات إضافية قدرها 10.1 مليون دينار لفائدة 24 مشروعا في تونس    تونس خلال 24 ساعة: إصابة 439 شخصا في حوادث مختلفة    قاما بنقل مهاجرين أفارقة من القصرين إلى صفاقس: إيقاف شخصين بتهمة الإتجار بالأشخاص    عاجل : الناخب الوطني فوزي البنزرتي يقدم قائمة اللاعبين المدعوين في هذا اليوم    لاعب اتحاد بن قردان يتعرّض الى حادث مرور خطير    فتح باب الترشح للدورة الثانية من المهرجان الوطني للمسرح التونسي    معهد تونس للترجمة : لا سبيل لإلغاء العقل البشري في الترجمة وتعويضه بآلة    عاجل : عمرو دياب يعلن اعتزاله    متى يتم الإعلان الشهر القمري ؟ة    تم نقله عبر الطائرة إلى ولاية صفاقس: إنقاذ مريض أصيب بجلطة قلبية في قرقنة    بمناسبة اليوم العالمي للقهوة: هل تعلم ما مصدر فنجان سعادتك؟    47 سنة سجنا عقوبة إمرأة حقنت ابنتها ب''الإنسولين''    عاجل/ تأجيل رحلة إجلاء التونسيين من لبنان    تلاقيح "القريب" ستكون متوفّرة بالصيدليات بداية من هذا الموعد    حزب الله يقصف تل ابيب ب10 صواريخ باليستية    صفاقس: حادث مرور يخلف قتيلا    إحياء الذكرى التسعين لوفاة الشابي في افتتاح الموسم الثقافي بولاية توزر    من بينهم مصريون: انقاذ 36 مهاجرا علق مركبهم في عرض البحر    انطلاق تصوير سلسلة "سلة سلة"    الرابطة الأولى: النادي الإفريقي يفقد خدمات 3 لاعبين في مواجهة الترجي الجرجيسي    طبرقة : حجز طائرة بدون طيار    القط الروسي الشهير "كروشيك" يبلغ وزنا قياسيا والأطباء يفكرون بالحل    كلام من ذهب..البعض من أقوال محمود درويش    طربيات النجمة الزهراء من 17 إلى 20 أكتوبر 2024    مع الشروق .. «حجارة من سجيل »    الشاعر بوبكر العموري.. القضاء على الفساد وبناء الدولة رهين مشروع ثقافي    في ديوان الإفتاء: إمرأة أوروبية تُعلن إسلامها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الربيع العربي وميزان المناعة القومي الإسرائيلي د. مصطفى يوسف اللداوي
نشر في الفجر نيوز يوم 21 - 02 - 2012

مخطئ من يظن أن الثورات العربية والحراك الشعبي العربي والانتفاضات الشابة التي لم يعتد عليها العرب، ولم يتحسبوا لها كما لم يتوقعوها، لم تخف الكيان الإسرائيلي، ولم تربك حساباته، ولم تشعره بأن الخطر الذي كان بعيداً عنه قد أصبح اليوم يتهدده ويهز أركانه، ويخلخل بنيانه، ويحذره بأن المستقبل ليس كالماضي، وأحلامه في الأمس لن تغدو بعد اليوم حقيقة، هذا ما نبأنا به المتحدثون الإسرائيليون والضيوف الذين شاركوهم مؤتمر هرتسليا الثاني عشر، فقد رفعوا جميعاً أصواتهم محذرين أن حراس الكيان الإسرائيلي قد رحلوا، وأتباع الحركة الصهيونية قد فضحوا، ولم يعد هناك ثمة حارسٍ أمينٍ على كيانهم، يسهر على راحتهم ويحمي حدودهم، ولا يوجد اليوم من العرب من يملك خرقة قماشٍ بالية يستر بها عورتهم، ويدافع بها عن سياستهم، ويذوذ بها عن حياضهم، فيمنع المقاومة، ويحارب المقاومين، ويزجهم في سجونه ومعتقلاته، إن لم يقتلهم ويخلص "إسرائيل" من "شرهم".
اليوم بات الكيان الصهيوني عارياً أمام الحقيقة الشعبية العربية الجديدة، التي رسم خطوطها شبابٌ ثائر، وجيلٌ ناهض، انبت عن ماضيه القريب والتحم بماضيه القديم، رافضاً الصفحات الصفراء التي رسمها ملوكٌ وحكام، وأبى إلا أن يرسم بدم شعوبه القاني صفحاتٍ مشرقةٍ ومضيئة من تاريخ الأمة العريق، فقد أسفر الربيع العربي المجيد عن حقيقة المواقف العربية، وكشف اللثام عن نظرة الشعوب العربية إلى الكيان الصهيوني المحتل الغاصب، ولم يعد الحكام العرب هم الذين يعكسون صورة شعوبهم العربية، ولم يعد بمقدورهم أن يخفوا الحقائق، ولا أن يلووا أعناق النصوص، أو يحرفوا الكلم عن مواضعه، فهي الحقيقة الساطعة التي أدركها كل المحاضرين الإسرائيلين، الذين بدا على وجوههم الذهول من هول ما يجري في العالم العربي، فقد أدركوا أن عقيدة الجيوش العربية قد تغيرت، ومهمتهم قد تبدلت، فلم يعودوا حماةً لحكامهم ومدافعين عنهم، بل أصبحوا حماةً للديار، ومدافعين عن الوطن، ومقاتلين في سبيل عزته وكرامته وحرية شعبه، وهيهات لشعبٍ عرف طريق الحرية وذاق حلاوة العزة والكرامة أن يفرط في نصرٍ يتطلع إليه من قديم الزمن.
كثيرون هم المحاضرون بل المحذرون الخائفون الإسرائيليون في مؤتمر هرتسيليا، الذين حملت محاضراتهم تحذيراتٍ شديدة اللهجة إلى الحكومات الإسرائيلية، التي أضاعت كل الفرص الماضية، وضيعت على نفسها وعلى الدولة العبرية فرصاً ثمينة لإنهاء الصراع، وتوقيع اتفاقيات سلامٍ شامل مع كل الدول العربية، فقد أنب العديد من المحاضرين الحكومات الإسرائيلية التي رفضت المبادرة العربية وأدارت لها ظهرها، ولم تعتد بها ولم تستغلها، وقد كانت هي طود النجاة لكل شعب "إسرائيل"، الذي يحلم بأن يعيش في أمانٍ وسلامٍ، بعيداً عن الحروب والدمار والقتل والويلات.
وحمل آخرون رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي بنيامين نتنياهو المسؤولية الكاملة عن عرقلة مسار السلام مع السلطة الفلسطينية، وأنه هو الذي أحرج رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وأجبره على التخلي عن خيار السلام والمفاوضات مع إسرائيل، وقد يأس أن يحقق خيار السلام له ولشعبه ما يريد ويتمنى، وما يطمح إليه ويسعى، وهو الذي عمل في سبيل هذا الخيار كثيراً ، وتحمل من أجله الكثير من الأذى، ويرون أن نتنياهو هو المسؤول عن دفع عباس إلى أحضان حركة حماس، التي لا تؤمن بالسلام ولا تعترف بإسرائيل، وتعلن أنها تريد شطبها من الوجود، فلو أنه اعترف بعباس شريكاً له في عملية السلام، وتنازل له عن بعض ما يسميه "تنازلاتٍ مؤلمة"، فإن من المؤكد أن المشهد السياسي المحيط بإسرائيل كان سيكون مغايراً لما هو عليه الآن.
ورأى محاضرون إسرائيليون وأجانب من الموالين للدولة العبرية والمحبين لها والخائفين على وجودها والقلقين على مستقبلها، أن الحكومات الإسرائيلية هي التي ساهمت في إسقاط أهم حلفاء الدولة الإسرائيلية عبر التاريخ، فقد أسقطت سياسات الحكومات الإسرائيلية الرعناء نظام حسني مبارك، وهو النظام العربي الوحيد الذي شعرت إسرائيل تجاهه بالأمن والسلام، فاطمأنت إليه وركنت إلى وجوده، ليقينها أنها الدولة العربية الوحيدة القادرة على إزعاج إسرائيل، وتهديد أمنها، وإشغالها في حروبٍ قد تنهي وجودها، أو تربك حياتها وتجعلها في حال حربٍ دائمة لم تعد تقوى عليها.
يرى المحاضرون الإسرائيليون من على منصات مؤتمر هرتسيليا العديدة أن حصار إسرائيل لقطاع غزة، والحالة الإنسانية السيئة التي آل إليها القطاع وسكانه بسبب سياسة الحكومة الإسرائيلية الجاهلة، والحرب الفاشلة التي شنتها ضد حركة حماس والقوى الفلسطينية الأخرى الآسرة للجندي شاليط، كانت السبب المباشر للغضبة الشعبية المصرية ضد نظام مبارك، ولعلها كانت السبب الأقوى لخروج الجماهير المصرية المطالبة بإسقاطه، وقد كان بإمكان الحكومة الإسرائيلية إنقاذ حليفها مبارك لو أنها سمحت لبعض القوافل الغذائية والطبية بالوصول إلى غزة، ولو أنها أنارت شوارع غزة لكانت قد نجحت في إنارة الطريق لخليفته جمال ليحل مكان أبيه في حكم مصر، وحماية اتفاقية السلام مع إسرائيل، والحفاظ على مصالحها، ففي عهد مبارك لم يتم الاعتداء ولو مرة واحدة على خطوط الغاز التي تنير شوارع تل أبيب، ولكن ما إن سقط مبارك حتى اشتعلت النار في نفس الأنابيب أكثر من عشر مرات، ولن تخمد نيرانها إلا إذا توقف غاز مصر عن الوصول إلى المحطات الإسرائيلية، وما إن بدأت محاكمة مبارك حتى بدأت أركان السفارة الإسرائيلية بالقاهرة تهتز، ويرتعد العاملون فيها وهم يبحثون عن مسربٍ منها للخلاص.
يعترف المفكرون في مؤتمر هرتسليا الثاني عشر، أن ميزان المناعة القومي الإسرائيلي في ظل الربيع العربي قد اهتز واختل، وأنه لم يعد قوياً كما كان، ومخيفاً كما عرفه العرب، فقد باتت إسرائيل اليوم في مواجهة جيلٍ من العرب والفلسطينيين لا يعرف الخوف، ولا يعترف بالمستحيل، ولا يقبل بالدنية، ولا يصعر خده، ولا يمشي على الأرض هوناً مخافة أن يعرف، ولا يخفي وجهه خشية أن يكشف أمره ويفضح سره، أنه مقاومٌ رافضٌ ثائرٌ مقاتلٌ صامدٌ ثابتٌ، جرئٌ لا يخاف، مقدامٌ لا يتراجع، شجاعٌ لا يتردد، مضحي لا يبخل، معطاءٌ لا يتأخر، فهو لم يعد يرتضي غير العزة طريقاً، والنصر خاتمة والشهادة وساماً، ولا يعترف بأن إسرائيل أقوى من العرب، ولا أقدر على تحقيق الأهداف منهم، فمن استأصل هذه الأنظمة لهو أقوى بكثيرٍ من دولةٍ تقوم على الظلم، وتبني ملكها على حقوق غيرها، تعتاش على دعم الشعوب، وتعتدي بسلاح الظالمين، الأمر الذي من شأنه أن يجعل من شعار مؤتمر هرتسيليا الثاني عشر "إسرائيل في عين العاصفة " حقيقة، أما العرب فسيكونون في ظل ربيعهم أسياد العاصفة.
دمشق في 21/2/2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.