عمله الخفي والبعيد عن الأضواء لم يقلص في شيء حظوظه في اعتلاء كرسي العمادة، والواضح أنه استفاد من تجاربه السابقة ليبني لنفسه استراتيجية دقيقة للاطاحة ببقية منافسيه وكسب ود الأغلبية من المحامين.. ذلك هو الأستاذ ابراهيم بودربالة الذي خصّ «الشروق» بهذا الحوار الذي قدم فيه تصوراته ورؤاه لتوضيح مسار المحاماة. * ما هي الدوافع الحقيقية والأسباب التي تقف خلف ترشح الأستاذ ابراهيم بودربالة ل»منصب» عمادة المحامين؟ في الحقيقة ليس هو ترشحا جديدا وإنما هو إعادة ترشح لأن نفس الدوافع والأسباب لازالت هي نفسها التي كانت وراءترشحي لأول مرة سنة 1998 اثر انتهاء مدّة رئاستي للفرع الجهوي للمحامين في تونس، ذلك أنه وانطلاقا من تشخيص دقيق لواقع المهنة وللحلول الواجب العمل على تحقيقها وكذلك السبل المؤدية الى ذلك ارتأيت أن هناك عدة مخاطر أصبحت محدقة بمهنة المحاماة وأهمها الابتعاد عن الشأن المهني وتكريس الصراعات الحزبية وقد بدأ ذلك يظهر بصورة جلية بداية من سنة 1995 وتجسّم عمليا عند تنظيم مؤتمر المحامين العرب بمدينة سوسة في سنة 1997 الأمر الذي أدى بي أثناء انعقاد الجلسة العامة العادية للفرع الجهوي بتونس للتنبيه الى المخاطر المحدقة بالمهنة وناديت عندها بضرورة أن يكون المحامي صوت المحاماة في حزبه لا صوت حزبه في مهنة المحاماة وهذه المقولة لا تعني حثّ الزملاء على التخلي عن اتخاذ المواقف السياسية التي يرونها صالحة بل التعبير عنها في الفضاءات المتعلقة بها وتجنيب ساحة المحاماة في الصراعات الحزبية التي تؤدي حتما الى تفريق المحامين وتشتيتهم وإبعادهم عن الانكباب على مشاكلهم واكتشاف الطريق التي تؤهلهم ليصبحوا قوة مؤثرة في المجتمع وأن مرور 6 سنوات على هذا التصور وما حدث خلال هذه المدة من انفلات لزمام الأمور وتشتت للمحامين وإضاعة عدة فرص أتيحت لهم لانتشال وضعهم المهني من التردي يؤكد صدق الرؤية التي قدمناها في ذلك الوقت ومادمت أشعر وأني لازلت قادرا على العمل من أجل إنقاذ المهنة وجمع الزملاء حول مقاربة مهنية من شأنها أن ترجع المسار المهني الى وضعه الصحيح ارتأيت اعادة تقديم ترشحي لخطة عميد الهيئة الوطنية للمحامين لتحقيق الانفراج المنشود. * كثر الحديث عن «الاستقلالية» و»التسييس» داخل قطاع المحاماة.. ما هي تصوراتكم في هذا الاطار؟ إني أؤكد على أني وأغلبية الزملاء على اطّلاع على مواقفي أثناء تحملي لمختلف المسؤوليات المهنية سواء في الجمعية التونسية للمحامين الشبان من سنة 1979 الى سنة 1985 أو في عضوية الهيئة الوطنية للمحامين بتونس من سنة 1992 الى سنة 1998 حيث كنت مستقلا عن كل الأحزاب السياسية بدون استثناء وأتعامل مع الشأن المهني من خلال مبادئها وثوابتها وهذا الأمر ضروري بالنسبة لنجاح أي زميل ينتخب في أي موقع من مواقع هياكل المهنة وقد قدمت برنامجا واضحا ودقيقا وإني مستعد للتعامل دون خلفية سياسية مع أي طرف يأنس في نفسه امكانية تحقيق انجازات لفائدة مهنة المحاماة والمحامين من خلال المقاربة المهنية التي تضمّنها برنامجي الانتخابي. * لأول مرة يشهد السياق الانتخابي تجاه «العمادة» هذا الزخم من الترشحات.. هل من تأثير لذلك على مآل صندوق الاقتراع وهل من ترجيحات لحدوث بعض المفاجآت؟ أعتقد أن تعدد الترشحات لا يجب أن ينظر إليه على أنه ظاهرة سلبية بل هو فرصة لافساح المجال للزملاء للمقارنة بين مختلف الرؤى التي يتقدم بها كل مترشح ورصيده المهني ومدى مصداقيته وبطبيعة الحال فإنّ ما يفرزه صندوق الاقتراع سوف يعبّر لا محالة على رؤية المحاماة ككل في هذا الظرف وأعتقد أن التجارب السابقة والأزمة الخانقة التي أصبحت تتخبط فيها المهنة تدفع كل الأطراف الى التفكير مليا في الأسباب التي أدّت الى هذا الوضع والتي تتمثل في تهميش مهنة المحاماة خلال العقد الأخير الأمر الذي أدى بالمحامين الى اختيار النهج التصعيدي لليأس الذي دبّ في قلوبهم وهذا النهج بيّن عقمه وقد أوصل المحامين الى نفق مسدود ويتعين حسب رأيي على كل الأطراف أن تضع نصب أعينها المصلحة العليا للمجتمع والمتمثلة في تدعيم دور المحاماة لكي تلعب دورها في تحقيق مبدإ حسن سير القضاء ولتتعدّى هذا الدور من خلال قيامها بوظيفتها القانونية التي تحقق شفافية المعاملات من الناحية القانونية لأنه بقدر ما يحرص المجتمع على تحقيق الشفافية المالية فإن ذلك الأمر لا يتكرّس في الواقع إلا بتحقيق الشفافية القانونية التي لا يمكن أن يقوم بها إلا المحامون باعتبارهم طرفا مؤهلا ومسؤولا للقيام بذلك. * «يناشد» جلّ المترشحين للعمادة «الكتلة الصامتة من المحامين» ذات التوجه المستقل.. هل ذلك دلالة على فشل الأحزاب والتيارات السياسية صلب قطاع المحاماة؟ إن محاولة دفع الصراعات الحزبية من قبل الاحزاب السياسية داخل ساحة المحاماة يدلّ دلالة واضحة على عدم نجاح هذه الأحزاب في ادارة صراعاتها في الساحات التي من المفترض أن تدور فيها فمحاولة توظيف مهنة المحاماة لخدمة أهداف أي حزب من الأحزاب من شأنه أن يلحق ضررا بمهنة المحاماة وبالمجتمع ذلك أنه عند اضعاف مهنة المحاماة فإنه يضعف دورها في المجتمع وبالتالي تحصل الكارثة الكبرى والمتمثلة في فقدان مؤسسة العدالة لأحد أهم أركانها وهي المحاماة وبالتالي فإني أنصح من موقعي مختلف الأحزاب إن كانت فعلا تؤمن بمصلحة المجتمع أن تتجنّب اقحام صراعاتها الحزبية داخل ساحة المحاماة لأنها سوف لن تستفيد بأي فائدة سياسية من وراء ذلك بل على العكس ستساهم في اضعاف مهنة يحتاج اليها المجتمع كعنوان لتقدمه وسلامته. * يعيب العديدون على العميد السابق نهجه التصعيدي في التعامل مع السلطة وهو ما أفقد ملفات المحامين طابعها المهني؟ إني أعتقد أن الخيار الذي تبنّاه العميد الحالي لا يتوافق اطلاقا مع مصلحة المهنة ذلك أنه يحمل عدة مشاريع في ان واحد: مشروع سياسي ومشروع ثوري وفي الأخير رؤية مهنية تولد من رحم هذين المشروعين والنتيجة الحتمية هي أن رؤيته لا تتوافق مع الرؤية الواجب اتباعها لانتشال المهنة من هذا الوضع المتردّي ودليلنا على ذلك ما وصلت إليه مهنة المحاماة من تشتيت وتفريق وتقزيم للدور الذي كان من الواجب أن تقوم به في المجتمع وترتيبا على ذلك فإني أؤمن أن الخلاص الوحيد هو تبنّي المقاربة المهنية التي يؤمن بها أغلبية الزملاء والتي حاولت من خلال البيانات والمواقف التي قدمتها في العديد من المناسبات أن أحوصلها لكي يكون منهجا تسير عليه تحقيقا للمصلحة المهنية المنشودة. لقد أصبح من نافلة القول أن المحاماة تعيش أزمة حادة مردها عدة عوامل نابعة منها أو من محيطها كما أسلفنا الذكر وأنه بقدر ما عيب علينا من أطراف تتمعّش من الأزمة التحدّث باسم تيّار مهني في المحاماة والتشبث بمقاربة مهنية لمشاكلها وواقعية لحلولها فإن تجربة السنوات الأخيرة أثبتت صحة رؤيتنا خاصة في تأكيد أن المحاماة ترفض الاحتواء الخارجي وتنبذ التوظيف الداخلي وأن رد فعل المحاماة كلما وقعت محاولة المسّ من ثوابتها وأهمها الاستقلالية هو من دواعي التفاؤل بحاضرها والأمل في المستقبل. * ما هي تصوراتكم وخطوط عملكم لما قد تلتزمون بإنجازه في صورة نجاحكم في الوصول الى العمادة؟ إن التجربة أفرزت وبشدة ضرورة اعادة النظر في القانون المنظم للمهنة كما أن الوقت حان لسنّ قانون داخلي لها، وعلى مستوى التسيير في تقدرينا لقد حان الوقت لإرجاع الاعتبار للجلسات العامة وجعلها المرجع الأساسي والاطار المبدئي في اتخاذ القرارات المصيرية للمهنة خارج ما أسنده القانون حصرا للهياكل كما أصبح من الضروري جعل الجلسة العامة أداة لمراقبة القرارات وللمحاسبة في تنفيذها وارتكاز الهياكل التسييرية على الجلسة العامة. كما أن الجوانب الهيكلية والتنظيمية أثرت سلبا وبعمق على الجوانب المهنية لسلك المحاماة ولا يمكن ايجاد حلول لهذه دون تلك وتتمحور اقتراحاتنا حول ثلاثة مداخل نعتبرها رئيسية وهي: ترشيد المدخل وتوسيع مجال تدخل المحامي والوظيفة القانونية للمحامي وتكريس نظام المؤازرة القانونية بالاضافة الى الاحاطة الخاصة بالمحامين المتمرّنين، وسنعمل في الجانب الاجتماعي على إرساء نظام تغطية اجتماعية وتنظيم مسألة التقاعد. إن البديل المهني يمثل أنجع طريقة لارجاع المحاماة الى مسارها الطبيعي والصحيح تأكيدا للاستقلالية وترسيخا للحوار البناء مع كل الأطراف العاملة في نطاق المرفق العام للعدل.