تضمن خطاب رئيس الحكومة الجديد حمادي الجبالي امس امام اعضاء المجلس الوطني التاسسي قرارات اقتصادية واجتماعية وسياسية عديدة اثارت ردود فعل متباينية بين اعضاء المجلس بين مرحب ومتحفظ ومعارض. الا ان الخطاب حاول ان يوجه اساسا 5 رسائل سياسية للشعب التونسي من الحكومة التي ينتظر تشكيلها منذ شهرين كاملين. رغم الصبغة الانتقالية للحكومة التي اعلن عنها السيد حمادي الجبالي امس والتي يسجري التصويت عليها اليوم تضمن خطاب عرض برنامجها تعهدات بانجاز برنامج اجتماعي اقتصادي وصفه السيد نورالدين البحيري الناطق باسم حزب النهضة وعدد من رفاقه ب"الطموح" و"المتفائل بتجسيم اهداف الثورة " ، بينما قلل السيدان عصام الشابي واياد الدهماني من اهميته واعتبراه" مخيبا للامال ".
رسائل سياسية
لكن الاهم في نظر عدد من اعضاء المجلس الوطني التاسيسي والمراقبين لم تكن الاجراءات الاقتصادية والاجتماعية والفنية بل الرسائل التي وردت فيه. فقد حرص السيد حمادي الجبالي ان يكون خطابه تطيمينيا لكل الاطراف السياسية والاجتماعية والاقتصادية الوطنية والعربية والدولية. ولعل اهم تلك الرسائل السياسية الثلاث : الاعلان عن تكريس ما تعهدت به قيادة الحركة قبل الانتخابات من المضي في مسار "الانصاف والمصالحة " عبر اجراءات عملية من بينها ارجاع الحقوق لاصحابها وانصاف المظلومين وتسريع اجراءات التقاضي واعتماد مسار من العدالة الانتقالية يميز بين واجب اعادة الحق للمظلوم بعيدا عن عقلية التشفي. في نفس السياق تعهد خطاب رئيس الحكومة الجديد بتفعيل "العفو التشريعي العام " الذي تقرر في عهد الحكومة الاولى بعد الثورة. ومن شان هذه الخطوة اعادة الحقوق المدنية والمهنية لكل من حوكم في العقود السابقة بسببب معتقداتهم وافكارهم وانشطتهم ذات الصبغة السياسية والنقابية.
أزمة الثقة
اما الرسالتان السياسيتان الثانية والثالثة فكانتا لتطمين رجال الاعمال والمستثمرين التونسيين وتطمين شركاء تونس العرب والاجانب سواء كانوا اشخاصا او شركات او دولا. وهذا التطمين السياسي مهم جدا في مرحلة يتحدث فيها بعض الخبراء عن غلق مئات المصانع والمؤسسات السياحية والخدماتية التونسية والمشتركة وعن مغادرة حوالي 120مستثمرا اجنبيا لبلادنا خلال عام 2011 بسبب الاضطرابات الفوضوية والاعتصامات وغلق الطرقات والمشاكل الناجمة عن استفحال مظاهر الفلتان الامني والاعلامي. وفي هذا السياق تعهد خطاب السيد حمادي الجبالي بان تعمل حكومته على ان توفق بين الحرية والمسؤولية..بين الديمقراطية والاستقرار..بين حفظ الامن والنظام العام وضمان حرية التعبير والتجمع والتظاهر وتحرير قطاع الاعلام.
الشهداء والجرحى
وكانت الرسالة السياسية الرابعة التاكيد مرارا على الوفاء لدماء الشهداء والجرحى ولتضحيات اجيال من المناضلين منذ الحقبة الاستعمارية الى الان مرورا بعقود بناء الدولة الحديثة. وفي هذا السياق تعهد الجبالي مرارا بتكريس التضامن مع عائلات الشهداء ومع جرحى الثورة. وتعهد بمحاسبة المسؤولين عن التجاوزات في ظل سيادة القضاء الذي تعهد بدعم استقلاليته وتكريس حياده.
الخط الاحمر
وكانت الرسالة السياسية الخامسة معالجة الاسباب العميقة للثورة بدءا من ايجاد حلول بالتدرج لمعضلات البطالة والفقر والخلل بين الجهات..اي للخط الاحمر الاجتماعي السياسي والاقتصادي.. وفي هذا الاطار قدم الجبالي ما وصفه انصاره "برنامجا تفصيليا للانقاذ في المرحلة الانتقالية الجديدة "بينما اعتبرت المعارضة اجراءات خطاب الحكومة " منقوصة ومخيبة للامال لانها لم تقدم تقديرات لنسبة النمو التي تعتزم الحكومة تحقيقها خلال عام 2012 كما لم تكشف بالضبط عن المبالغ التي سوف ترصدها لميزانيات مكافحة البطالة والفقر والفوارق بين الجهات..وانما اكتفت بتقديم اعلان نوايا طيبية "..
الرسالة السياسية المسكوت عنها
لكن الرسالة السياسية المسكوت عنها في موكب امس في المجلس التاسيسي هي انه لاول مرة في تاريخ تونس يجلس على مقاعده المخصصة لاعضاء الحكومة وزراء معارضون كانوا طوال عقود من ابرز المطاردين سياسيا او من بين مساجين برج الرومي والناظور والحبس الجديد ( 9 افريل ).. مثل علي لعريض وزير الداخلية ونورد الدين البحيري وزير العدل ومحمد بن سالم وزير الفلاحة وعبد اللطيف المكي وزير الصحة وعبد الكريم الهاروني وزير النقل الجديد..او محمد عبو الوزير المعتمد لدى الوزير الاول وعبد الوهاب معطر.. كما كان موكب امس الاول من نوعه في تاريخ تونس الذي يناقش فيه مجلس تاسيسي منتخب تشكيلة الحكومة ومشروع برنامجها قبل المصادقة عليها. وشاءت الاقدار وقوانين اللعبة السياسية ان يكون بين اعضائها نجوم في الثقافة مثل المهدي مبروك عالم الاجتماع والناشط الحقوقي والقيادي السابق في الحزب الديمقراطي التقدمي والنجم الكروي طارق ذياب..فضلا عن نجوم من المعارضة السابقة مثل خليل زاوية ومحمد عبو ومن اتحاد الشغل والجامعة العميد السابق والنقابي والخبير الاقتصادي حسين الديماسي..