التطبيع مقابل الاستيطان هو آخر ما صدر في مقترحات المقايضة المطروحة أمام العالم العربي. مقايضة هذه المرة التي تجر وراءها حماسا أمريكيا من أكثر الإدارات التي يحس العرب تجاه رئيسها بنوع من الارتياح، هذه المقايضة تعتبر الأكثر إهانة وابتزازا وسخفا واحتقارا للموقف العربي عموما والحقوق الفلسطينية خاصة. أوباما الذي اصطدمت ادارته أو هكذا يروّج تهويلا بحكومة ناتنياهو في شكل من الضغط والبرود وتباعد الرؤى يقدم الى العرب نسخة مغلفة لمشروع راية بيضاء مهينة في شكل صفقة سياسية رابحة. مشروع السلام الجديد المطروح أمريكيا هذه الفترة لا يرتقي الى مستوى ما طرحه مشروع خريطة الطريق أيام الرئيس بوش، أو مقترحات الرئيس كلينتون أيام مفاوضات الكامب بين أبو عمار وباراك، وطبعا على مسافة بعيدة جدا من روح أوسلو وبعض اتفاقاتها. لن نتحدث عن المبادرة العربية للسلام، فهي تبدو مشروعا ثوريا غاية في الالتزام، كما لو كانت برنامجا سياسيا لاحدى فصائل المقاومة الفلسطينية، مقارنة بما تطرحه ادارة أوباما اليوم من تطبيع مقابل كسب يتيم مضحك وهو وقف الاستيطان!! والحقيقة فإن الادارة الأمريكية لم تكن لتتجرأ على طرح مثل هذه الصيغ لولا وقوفها على ضعف الموقف العربي ووعيها بأن شحن المنطقة العربية على أصداء التعبئة ضد الخطر الايراني الداهم قد بلغ مداه الأقصى الذي يفرض تغيرات جوهرية في النظرة لمصدر التهديد الحقيقي للأمن القومي العربي تصبح بموجبه ايران العدو الرئيسي الذي ينبغي أن يتحالف في مواجهته العرب واسرائيل. لقد نجحت هذه الرؤية في التأثير على دوائر القرار الرسمي في أكثر من دولة عربية سواء في المحيط الشرق أوسطي أو ما يتجاوزه، اذ ترسّخت قناعة في أوساط عدد من الأنظمة العربية الحاكمة بأن ايران هي العدو الحقيقي بترسانتها العسكرية وطموحها النووي وايديولوجيا تشيعها أكثر من اسرائيل وهو ما يهيئ المناخ حاليا لتقديم أي صيغة هامشية «لاندماج» اسرائيل في محيطها العربي للتفرغ الكامل لمواجهة الخطر الايراني. أصبح وقف الاستيطان أهم اهداف المشروع الوطني الفلسطيني الذي لا يخجل الأمريكان في تحويله من مجرد مطلب تقني تقوم عليه امكانية استئناف مفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين الى مشروع سياسي استراتيجي تتقاضى عبره اسرائيل هدية التطبيع الشامل مع كل الدول العربية. ورغم ذلك وخارج دائرة تفاصيل المتغيرات الدائمة على مسرح دائم المراوحة بين التشويق والملل هو مسرح الشرق الأوسط لا بد من التذكير الدائم أن الخطر الحقيقي على الأمن العربي لا هو ايران ولا اسرائيل التي خبرنا الصراع معها طيلة عقود من الزمن، إنما الخطر الحقيقي على أمتنا هو تخلف مجتمعاتنا، هو فقرنا وأميتنا وأمراضنا في الاقتصاد والثقافة والسياسة، لو نجحنا في هذه المعركة بالذات، حينها فقط لا خوف علينا من ايران ولا من اسرائيل، سواء حاربناها أو صنعنا معها سلاما!!!..