عاجل/ عبر الأردن: سفير لبنان بتونس يكشف عن موعد رحلة إجلاء التونسيين    وزير التجارة: كل الشروط متوفرة لرقمنة سوق الجملة للخضر والغلال بالمكنين    أصحاب المطاعم و الملاهي الليلة لهم الحق في تصوير الحرفاء ؟    سفارة تونس بلبنان : " تواصل العمل على تجاوز العراقيل التي حالت دون إنجاز الرحلة المخصصة لعودة التونسيين المقيمين بلبنان "    "حزب الله" يعلن تفجير عبوة ناسفة بقوة إسرائيلية حاولت الالتفاف على بلدة يارون    عاجل/ مقتل 14 جندي اسرائيلي في اشتباكات جنوب لبنان    حذّروا أمريكا وبريطانيا.. الحوثيون يستهدفون عمق اسرائيل    بنزرت: إقرار تدخلات اولية عاجلة لفض إشكال الصرف الصحي بعدد من احياء منطقة برج الجباري بمعتمدية بنزرت الجنوبية    هام/ حجز أكثر من طن من السكر بفضاء تجاري بهذه الجهة..    غدًا الخميس.. اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية لبحث أزمة لبنان    عاجل/ فاجعة غرق قارب "الحرقة" بجربة: الحرس الوطني يقدم آخر الاحصائيات والمستجدات..    صفاقس: تفاصيل إيقاف نفر بتهمة الإتجار بالأشخاص..    درّة زروق تكشف كواليس تجربتها الأولى في ''الإخراج''    كرة اليد: بعث مسابقة السوبر التونسي المصري    طقس الليلة: توقّعات بظهور ضباب محلي بهذه المناطق    مصطفى عبد الكبير الهجرة غير النظامية سببا للانقطاع عن الدراسة    عاجل/ ايران تمدد إلغاء كافة الرحلات الجوية في جميع أنحاء البلاد..    اطلاق نار يستهدف سفارة إسرائيل في السويد    سفير السعودية بتونس : ''تونس من أبرز الدول التي يريد المستثمر الأجنبي أن ينجز فيها مشاريعه ''    الرابطة 1 (الجولة4): النادي الافريقي والترجي الجرجيسي في حوار فض الشراكة في الصدارة    قوافل قفصة: تعيين هيئة تسييرية جديدة .. وفض إضراب اللاعبين    بطولة افريقيا لكرة اليد للسيدات: المنتخب التونسي يستهل مشاركته بمواجهة نظيره الانغولي يوم 27 نوفمبر    برنامج مباريات المنتخب الوطني سيدات في الدّور الأوّل لبطولة افريقيا لكرة اليد    عاجل/ وزارة التربية تعلن عن ايقاف الدروس بصفة استثنائية كامل هذا اليوم..    رئاسية 2024 : اليوم الأربعاء آخر أيام الحملة الانتخابية في الخارج    مع ارتفاع نسق الطلب/ بشرى سارة بخصوص مادة البطاطا..    حوادث/ اصابة 460 شخصا خلال 24 ساعة..    بن عروس: القبض على مروّج مخدرات وحجز كميات مختلفة من المواد المخدرة    منوبة: إيقاف مروج مخدرات صادرة في حقه 17 برقية تفتيش    تعليق تداول أسهم الشركة العقارية التونسيّة السعودية بالبورصة    رئاسية 2024 : تونس .. التاريخ والحضارة    البرونكيوليت''- مرض الأطفال : الدعوة إلى ضرورة اتباع هذه الاجراءات الوقائية ''    3 أنواع للادخار في البنوك التونسية    قنصلية تونس بدبي تُعلّق خدماتها يوم الجمعة...التفاصيل    تونس في أقلّ من سنة: 14 ألف شخص مورّط في قضايا مخدّرات    جريدة الزمن التونسي    وضعية التزويد بالقهوة وتكوين مخزونات استراتيجية محور جلسة عمل وزارية    عاجل : الأرض تشهد كسوفا حلقيا للشمس اليوم    ضربة إيران لدولة الاحتلال تجمد مباراة في دوري أبطال آسيا 2    عاجل : ناقوس خطر يهدد ملايين البالغين    عاجل/ رئيس الأركان الإيراني يهدد بضرب كل البنى التحتية للمحتلّ..    بينهم لطفي بوشناق: مهرجان الموسيقى العربية يكرم رمزا أثروا الساحة الفنية في العالم العربي    بعد نشر صورهم على انهم غرقى.. ضبط 22 مجتازًا تونسيًا قبالة سواحل قرقنة    دوري أبطال أوروبا : نتائج مباريات اليوم الثلاثاء    أولا وأخيرا ..ربيعنا وخريفهم    تونس وألمانيا تشرعان في تنفيذ برنامجي تعاون فني لدعم البنية التحتية للجودة في مجالي التنمية الاقتصادية والهيدروجين الأخضر    وزير الشباب والرياضة: مشروع المدينة الرياضية بصفاقس لا يمكن انجازه في الوقت القريب نظرا لما يتطلبه من اعتمادات كبرى"    ستة أفلام تونسية تشارك في الدورة الأربعين من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي لدول البحر المتوسط    فتح باب الترشح للدورة الثانية من المهرجان الوطني للمسرح التونسي    متى يتم الإعلان الشهر القمري ؟ة    تم نقله عبر الطائرة إلى ولاية صفاقس: إنقاذ مريض أصيب بجلطة قلبية في قرقنة    تلاقيح "القريب" ستكون متوفّرة بالصيدليات بداية من هذا الموعد    انطلاق تصوير سلسلة "سلة سلة"    إحياء الذكرى التسعين لوفاة الشابي في افتتاح الموسم الثقافي بولاية توزر    القط الروسي الشهير "كروشيك" يبلغ وزنا قياسيا والأطباء يفكرون بالحل    كلام من ذهب..البعض من أقوال محمود درويش    مع الشروق .. «حجارة من سجيل »    الشاعر بوبكر العموري.. القضاء على الفساد وبناء الدولة رهين مشروع ثقافي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل ميثاق وطني جديد
نشر في الوسط التونسية يوم 15 - 06 - 2008

لعل من مقتضيات الواقعية أنّني عندما كتبت عن دفع التشابك وتحدثت عن بعض الشروط المحققة لذلك لم أكن أرجو أن يتحقق المقصد سريعا فأنهي عقدين من التشابك بجرة قلم و"طاح الكاف على ظلّو" كما يقال في العامية التونسية.
ولكنني إنّما بدأت دعوة علنية فيها محاولات للتوصيف والتحليل والمبادرة. وأنا مطمئنّ إلى أنّ حديثي سيلقى آذانا صاغية وقلوبا واعية وعقولا راشدة- ولو بعد حين- وأنا لن أملّ من الطرق على الحديد ومن استفزاز الإرادات وشحذ الهمم وإشاعة الوعي والفهم. ولن أخيب أو أندم إن كان نصيبي من الأجر أجر واحد وهو ثواب غيرُ المصيب من المجتهدين. وذلك لأنّني :
1- أدرك صعوبة المهمّة وثقل المسؤولية فما جرى من تشابك وما بقي من آثار ليس باليسير معالجته، فهو يحتاج إلى وقت وجهد وإرادة. والزمن فاعل أساسيّ في ذلك.
2- أريد أن أؤكّد أنّ المحاولة خير من عدمها. وأنّ الفرجة لا تنفع في شيء كما أنّ سياسة التجاهل من جهة وسياسة فرض الواقع من الجهة الأخرى لا تعين على الحلّ وإن كانت نافعة ما دامت مضبوطة ومحسوبة.
3- أعتبر أنّ التدافع سنّة وقانون- والسنن لا تتخلف- ولكنّ السؤال وهو كيف يمكن أن يكون هذا التدافع عامل إثراء وإصلاح وتطوير ونموّ. وكيف يمكن أن تُستبعد أشكاله المغلّطة حتى لا يغدو سببا في إهدار الطاقات والإمكانات والأوقات، وهو الشكل الذي اهتدت إليه الديمقراطيات الغربية من خلال التنافس الحزبي الراقي وتدافع البرامج والخطط والاحتكام إلى صندوق الاقتراع وتزكية الشعوب والقبول بالهزيمة السياسية بروح رياضية تجعل المهزوم يتهم نفسه قبل أن يتهم خصومه ويعود باللائمة على أشخاصه (قيادات وكوادر وقواعد) وبرامجه فيتحفز للإصلاح والتأهيل والتطوير طلبا لفوز في دورة ومرحلة جديدتين.
4- أعتبر أنّ مسؤولية الحاكم أكبر من مسؤولية المحكوم أي أنّ السلطة أو النظام هي المدعوّة إلى تنقية المناخ السياسي والاجتماعي وتوفير كلّ أسباب الاطمئنان من العفو والصفح وإعادة الاعتبار وردّ المظالم والتعويض والإدماج في الحياة العامة واستبعاد منطق التشفي ثم التشريك والحوار. وليس ذلك بعزيز على السلطة ولا ينقص من شأنها أو سطوتها، بل هو سلوك الحكم الرشيد الذي يجلب للنظام الاحترام والتقدير ويطيّب نفوس المظلومين فيتغيّر سلوكهم ويتعدل منهاجهم وتضعف حجّة المكابرين وتقوى حجة دعاة الاعتدال والمصالحة وتُستبعد أسباب التوتر وتسود قيمة السلم الاجتماعي فيفرغ الناس جميعا للتنمية.
5- أشدد على مسؤولية الإسلاميين وخاصة كوادر الحركة الإسلامية في ترك المكابرة والتواضع للحق ولو كان في ذلك شدة على النفس وجرأة عليها لأنّ من مقتضيات المسؤولية الاعتراف بالخطأ والجرأة في تقييم التجربة برجالها ومناهجها ومناهجها وخططها. وليس الإسلاميون بمنجاة من العيوب التي تصيب الحركات والأحزاب السياسية أو التنظيمات الاجتماعية فهم بشر وعلى قدر فقههم وعلمهم والتزامهم بتعاليم دينهم وقدرتهم على تمثل ذلك في سلوكهم يكون تأثّرهم، وإذا كان شعارهم "إن أريد إلآّ الإصلاح ما استطعت" و"لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" "وما أبرّئ نفسي إنّ النفس لأمّارة بالسوء" "كلّكم راد ومردود عليه إلاّ صاحب هذا القبر"... إذا كان ذلك شعارهم فهم مدعوّون للعدل مع الخصوم والعدل فيما بينهم إذ "الحق أحق أن يتبع".
وليس في التواضع للحق والاعتراف بالخطأ أو المسؤولية أو السعي الجاد والمباشر للمصالح والخروج من سلوك التنافر والتدابر إلى الحوار أوالتواصل دنيّة ومنقصة أو فقدان للهيبة والقيمة.
وبعد هذا كلّه يجدر التوقف والتساؤل عن المخارج المساعدة على الانتقال من وضعية الفرجة والانتظار إلى المبادرة والفعل لأنّ الفرجة والانتظار لا تصلح وضعا ولا تجلب منفعة ولا تنهي تشابكا. كما أنّها دليل وشاهد على العجز أو هي استقالة وهروب من المسؤولية. ولا يقولنّ أحد إنّه يراهن على الوقت أو ينتظر معجزة أو تدخلا من فاعلين آخرين من "داخل أو خارج".
إنّ ممّا يساعد على الخروج من تلك الوضعية هو :
أ- الاقتناع بضرورة المصالحة ومنفعتها ثم إشاعة مناخ المصالحة لتصبح مطلبا عاما يتواضع له النظام كما الإسلاميون كما الفرقاء السياسيون ويسعون له سعيا حثيثا دعوة وسلوكا وإجراءات وثقافة، يوجّه ذلك تواضع وإذعان وتغليب للمصلحة العامة. وسيكون المبادر مقدّما في شهادة التاريخ والناس.
ب- دفع منطق التشابك وكل ما يساعد عليه من خطاب أو سلوك أو إجراءات. وقد فصّلت ذلك فيما سبق من حديث وأضيف إليه أنّ الكلمة الطيّبة والدفع بالتي هي أحسن والخطاب اللين الواضح "قُولا له قَولا ليّنا" وإجراءات التطمين والإدماج من جانب السلطة واستبعاد منطق سياسة فرض الأمر الواقع من جانب النشطين والجلوس على مائدة الحوار من الجميع. كل ذلك يساعد على تحقيق السلم الاجتماعي.
ت- خروج الصامتين من المؤمنين بضرورة المصالحة من وضعية المتفرج إلى وضعية الفاعل الإيجابي. ويقيني أنّه لو تحرك هؤلاء الصامتون من مختلف المواقع لتغيّرت أوضاع كثيرة ولبطلت حجة المثبطين أو المشككين أو القاعدين.
ث- السعي الجاد من الجميع سلطة وأحزابا ومنظمات وإسلاميين للتواضع على ميثاق وطني جديد تتحدد فيه معالم المرحلة الجديدة وشروط تحقيق التنمية والسلم والانتقال المتدرج الحكيم للحكم تحدو الجميع رغبة وإرادة جامحتان في توفير أسباب الاستقرار والأمن وإنهاء لوضعيّة الاحتقان واستبعادا للهزّات والمفاجآت وتفرغا للعمل في مختلف أبعاده ورفعا للتحديات الثقافية والمادية وحسن تأهيل للوطن ليكون رائدا إقليميا ودوليا وهو يملك كلّ ما يساعد على ذلك.
ج- وقبل هذا إشاعة قيم الحوار والمشاركة وحسن النصيحة وحسن الاستماع والإصغاء وترك المكابرة وتقديم المصلحة العامة على الخاصة والانطلاق من قاعدة "رأيي صواب يحتمل الخطأ".
ويحسن أن يدرك الجميع أنّ الإرث ثقيل وأنّ ما شاع واستفحل من أمراض وآفات خلال عقود الاستقلال الخمسة الماضية وما تكوّن من منافع ومصالح وعصبيات حزبية ومالية وجهوية وعيرها لا يمكن أن تتعدل أو تتغيّر بسهولة. بل إنّها ستدافع عن امتيازاتها بكل قوة وشراسة خاصة إذا أدركنا ضآلة رصيد الدين والأخلاق في حياة الناس وضعف التطبّع بقيم الديمقراطية والمشاركة واحترام الرأي الآخر، وذلك رغم ادعاء الكثير صلتهم بقيم الحضارة الغربية استيعابا والتزاما وتنزيلا.
فعملية الإصلاح لن تكون يسيرة ولكن المطلوب هو الإيمان والعمل الدؤوب والمثابرة ثم المثابرة ثم المثابرة تحقيقا لثورة ثقافية واعية تصلح ما فسد وتؤسس لمرحلة جديدة واعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.