حاولت قبيل ثلاثة أشهر الشروع جديا في اجرائات العودة الى التراب الوطني بعد أن تمزقت النفس برؤية ابنين لي يكبران بعيدا عن معانقة الأهل والأحبة والأقران فوق تراب تونس الحبيبة ... لكم كانت فرحة ابني عظيمة بعد أن أخذت لهما صورا شمسية وهيأتهما نفسيا للسفر معي قصد طرق أبواب الديبلوماسية التونسية أملا في التمتع القريب بحقهما في حمل هوية الانتماء الى تونس الحضارة والتاريخ والجمال الذي حباها الله تعالى به ... أشواق الى الوطن تعتصرني ألما مع مطلع كل شمس تشرق على جزء من أرجاء هذه المعمورة , ومعها تذهب بي الذاكرة الى عملية وأد بالحياة تمارسها السياسة الجائرة في الوطن الأم , اذ مامعنى أن تمر على مئات التونسيين فترة لاتقل عن 15 سنة أو أكثر دون زيارة مرقد من غادر الحياة أو مستقر من مازال يكافح من أجل حقه الطبيعي في حياة وطنية وانسانية كريمة ؟!!! أحلام الطفولة بزيارة وطن الأب ومرتع الأجداد ومستقر الأهل تبخرت في ظل عدم قدرة أطفال صغار في عمر الزهور على تحمل أعباء ومسؤولية السفر دون مرافقة الأب الذي لابد أن نعاقبه حتما على مواقفه وقناعاته السياسية في ظل دولة عصرية وحداثية تفتخر برفع شعار دولة الحق والقانون !!! توقف المشوار عند محاولة قانونية للقيام بالاجراء الاداري المطلوب من أجل رؤية صورتي وصورة أبنائي على جواز سفر تونسي ! , اذ مازالت أحلامنا عالقة الى حد هذا اليوم بين أعلى هرم صناعة القرار السياسي وبين مصالح قنصلية لاتملك تفويضا سياسيا بمعاملة التونسيين على درجة عالية من المساواة ... عزائي أن ابني يحملان وثائق سفر ألمانية الى جانب جنسية بلد الاقامة وهو ماسيخولهما يوما طرق أبناء الوطن في شكل سواح أجانب !!! أما أبوهما الذي هو في حكم الواقع بمثابة فاقد الجنسية التونسية فانه لازال ينتظر أن تتستيقظ همم حكام تونس المحروسة من أجل تطبيق الفصل الحادي عشر من الدستور التونسي , ومن ثمة يعود عزيزا مكرما الى أرض أمه وأبيه ومسقط كل أجداده من أجل قراءة سورة الفاتحة على روح أمه وأخيه وعمه وجدته وأخواله..., الذين غادروا الحياة في ظرف زمنى مقداره 16 سنة من المنفى القسري الذي فرضته علينا انقسامات وصراعات النخب التونسية على هامش من الحرية نستعيد بموجبه شيئا من الكرامة والهوية والديمقراطية ... الام النفي والمنفى التي لايدركها المتربعون على عرش صناعة القرار وربما حتى بعض المعارضين الذين انغمسوا في مربع البرجوازية الصغيرة لولا نغص ملف الحريات ...الام لم يقدرها حقيقة الا الرئيس المناضل نيلسون مانديلا الذي شكر الله على نعمه يوم أن خرج من سجنه بعد 28 سنة حين حمده على البقاء فوق تراب الوطن وعدم معايشة عذابات المنفى النفسية والمادية ... وهي عذابات أيضا أدركها من قبل الأستاذ احمد نجيب الشابي حين روى لي حجم معاناته في المنفى مقارنة بما عايشه مع تجربة السجن والاختفاء , ولعلها أيضا كانت مصدر الهام للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة رحمه الله تعالى في خطبه الكثيرة ومن ثمة مصدر ابداعه أثناء الرجوع بالذاكرة الى معاناته أيام الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي ... هذا المشهد المر لالام النفي القسري في ظل وجود نخب حاكمة ومحكومة لاتفكر الا في التمتع بمغانم العطاء بعيدا عن امتلاك الحاسة الوطنية السادسة ..., هذا المشهد الأليم ينبغي له اليوم أن يصبح على رأس أجندة العمل الحقوقي والسياسي والاعلامي في تونس بما يتوازى مع أهمية اطلاق سراح كل المساجين السياسيين وايقاف نزيف المحاكمات الجائرة والاعتقال على أساس القوانين غير الدستورية أو غير ذلك من دوافع الكراهية السياسية والايديولوجية ... مشهد لاينبغى اليوم التواني في تحريكه من خلال رفع المطالب العادلة التي تنضاف الى مطالب الرفق بقدرات المواطن البسيط والضعيف الذي أصبح عاجزا عن تلبية حاجياته وحاجيات عياله , مع عدم الغفلة عن موضوع الاصلاح السياسي الحقيقي الذي يهدف الى تمتيع التونسيين والتونسيات بكافة الضمانات القانونية والسياسية التي تحميهم من تغول الدولة ومن نزوعها الى النهش من حرياتنا الأساسية ومن ضميرنا الوطني عبر تعويمه في وهم ماتقتضيه العولمة ...! اننا لانعيش اليوم بمعزل عن عولمة الحقوق والواجبات ومن ثمة فاننا نرفع التحدي من أجل مواكبة تطلعاتها العلمية والمعرفية والسياسية والاقتصادية والثقافية ..., غير أن ذلك لايعني البتة التفويت في حقوقنا الأساسية وكرامتنا وسيادتنا الوطنية ومن ثمة فان دخولنا الى تونس الجميلة في كنف الأمان والطمأنينة بعد اسقاط الأحكام السياسية الجورية الصادرة في حقنا يعد أمرا مقدسا ومشروعا لن نتنازل عنه بالتقادم ولن نفوت فيه بموجب أماني ووعود لن نر لها أثرا واقعيا الا حين تتحقق العودة الى تونس ضمن حل أفق سياسي عادل على أرضية المواطنة الكاملة لكافة التونسيين والتونسيات . كتبه مرسل الكسيبي بتاريخ 8 أفريل 2008 للتفاعل مع الكاتب : [email protected] المدونة