: كاتبني أحد أصدقائي من أساتذة الجامعة التونسية وواحد من مدوني ملحمة الحرية معبرا لي عن تضامنه معي بعد أن علم من جهات شبه رسمية بخبر اعتزام غلق مدونتي على الشبكة العنكبوتية :
لم يكن الخبر بالنسبة لي مثيرا للدهشة وان كنت أشكر صاحبه وأحييه على صدق مشاعره ونبلها تجاه الكلمة الحرة في فضاء رسمي تونسي مناوئ لكل صوت أو قلم حر ... مازلت بالمناسبة أتذكر صوت صديقي وزميلي الصحفي سليم بوخذير والذي يقضي اليوم عقوبة سجنية ظالمة بزنازين الجمهورية التونسية بعد أن أصر على دخول خط النار في عالم الصحافة الاخبارية الحرة ... سليم بوخذير كان صحفيا من الطراز العادي حين اشتغل بموجب عقد "غير مكتوب" مع صحيفة الشروق التونسية , غير أن تقلبات المهنة قادته يوما ما الى ندوة صحفية عقدتها فنانة لبنانية بدعوة من احدى الشخصيات التونسية النافذة , وهو مادعاه الى طرح سؤال تلقائي عن سر حضورها بعد اشتباكها قضائيا مع أحد متعهدي حفلات "هشك بشك" وصدور حكم في شأنها بالمنع من تنظيم حفلات جديدة فوق تراب الجمهورية التونسية... سليم بوخذير حوله هذا السؤال من صحفي عادي الى صحفي خبير بشؤون السياسة رغم أنفه وأنف أبيه ومحبيه ..., فقد نال على اثر ذلك نصيبه من العنف السياسي الشديد بعد أن اتضح أن المعني بهذا السؤال العفوي كان شخصا غير اعتيادي ... أصبح الزميل بوخذير بموجب هذه "الطريحة" أي مشهد التعنيف الشديد بحسب التعبير التونسي , أصبح بموجبها عضوا في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ثم عضوا بالمكتب التنفيذي لمنظمة حرية وانصاف الحقوقية المستقلة , ثم مراسلا لعدد من الصحف والمواقع العربية المتمردة على مقص الرقيب ... لقد حوله الاستبداد الفاقد للبصيرة والعقل السياسي المحنك من رقم مجهول في صحيفة شبه رسمية الى معارض واعلامي مشاكس في أكثر من منبر وفضاء عمومي تونسي مناضل ...! المنع والحظر والحجب والاعتداء بالعنف والتحايل على القانون والدستور والمحاكمات ذات الصبغة السياسية لم تكن أبدا سلاحا يستعمله الأقوياء في مواجهة خصوم الرأي والفكرة والموقف السياسي المخالف , بل ان كل هذه الأساليب لاتخرج عن اطار الشعور بالعجز في مواجهة الذكاء والارادة والتفوق التي لايعدمها التونسيون والتونسيات أو غيرهم من أشقاء الكلمة الحرة ... ومن هذا المنطلق سأستبشر خيرا بحظر مدونتي من قبل السلطات التونسية , والتي يبدو أنها على درجة من القوة والنباهة والذكاء-أي السلطات- مايجعلها تضيق ذرعا بمدونة لم يمض على تأسيسها اكثر من أربعة اسابيع ! لقد حظرت سلطاتنا الموقرة قبل ذلك بحوالي سنتين موقع صحيفة الوسط التونسية المستقلة والتي أتولى الاشراف على مناشطها الاعلامية في كنف الاستقلال والحرية والشفافية , غير أن ذلك لم يزد النخب التونسية وعشاق الكلمة الصادقة الا اقبالا عليها زيارة وتصفحا ومكاتبة واثراء لموادها الاعلامية , وهو ماجعلها تصبح مقصدا رئيسا للمعارضين والمضطهدين داخل البلاد وخارجها برغم حالة الحجب التي يشرف عليها مهندسون اشتريت ضمائرهم من قبل دولة غول لاتؤمن بفضائل الكلمة ومحاسن النقد وفضائل الاعلام الحر والبديل ... التدوين والكتابة والصحافة الحرة والاعلام المستقل والجريء والأمين هي مرادفات لوطن يحترم مواطنيه ونظام يسلم باستقلالية السلطة الرابعة ويعتبرها صمام أمان في وجه الفساد والظلم والتعدي على حرمة الانسان وكرامة المواطنين وحقوقهم المشروعة , واذا غابت الحرية والشفافية عن منابرنا الاعلامية وأصبح السجان والمحتال والنشال والمتحايل على القانون والمحترف للكذب على الناس صباحا مساءا هو الاعلامي أو المستشار الرسمي لوسائل الاعلام أو المسؤول غير المباشر عن اعلامنا الرسمي الموجه لم يبق لنا الا أن نقول : وطني ياأيها الأرمد ترعاك السماء أصبح الوالي هو الكحال فأبشر بالعمى حفظ الله وطننا وأوطاننا جميعا من الكحال والعمى , وجعل الاعلام البديل والأمين والصادق طريقنا جميعا الى وطن حر ومواطنة كاملة , وعجل الله بفك أسر الزميل الصحفي سليم بوخذير وكل زملاء مهنة المتاعب من عرين الكحالين وفخاخ أعداء الحرية والاعلام المستقل ... وفي الأخير : فلا عاش في تونس من خانها ولاعاش من ليس من جندها نموت ونحيا على عهدها حياة الكرام وموت العظام كتبه مرسل الكسيبي بتاريخ 25 مارس 2008 للتفاعل مع الكاتب : [email protected] المدونة http://morsel-reporteur.maktoobblog.com