إنّ التعصب ضد العقيدة الدينية قد يكون ردَّة فعل أو تكوينا إنعكاسيّا لرغبة عنيفة في الإيمان تتوجّس النفسَ من عواقبها شرّا. والعكس صحيح... ، إذ يمكن للتعصب ضدّ الإلحاد قد يكون ردّة فعل أو تكوينا إنعكاسيّا لميول عنيفة نحو التمرّد على سلطان الدين بصفة خاصة، وعلى السلطان أيّا كان نوعه بصفة عامة. إنّ التعصب قد يجنى عن موقفه كسبا، غير أن هذا الكسبَ لا يختلف عما يجنيه العصابي من سلوكه الشاذ ، أرى أنه كسب وهمي ناقص يُفوّت على صاحبه حلَّ مشكلته حلاّ ورشيدا واقعيا ومجديا. وقد يكون التعصب عبارة عن إسقاط نقائص الفرد ومشاعر الذنب لديه على الآخرين الذين يعتبرون "كبش فداء" أو "ضحايا" ومن ثمّة يُعتبر التعصب إحدى حيل الدفاع النفسي. وتقول نظرية "كبش الفداء" أنّ الإحباط يسبّب العدوان، وأنّ الفرد يقوم بمحاولات لكفّ العدوان ضد المصدر الحقيقي للإحباط، هذا المصدر الذي لا يمكن معرفته بالضرورة فيضطرّ الفرد في هذه الحالة إلى إزاحة العدوان على جماعة أخرى، وهنا يمكننا أن نتعرّف على أقلّية متعصّبة تعيش بيننا الآن في تونس تحاول أن تدلو بدلوها، وتفرض وجودها، ونمط عيشها، وطقوسها ولباسها وقيمها، مهدّدة وجود الآخر وكينونته. وقد يكون التعصب كذلك رُهابا وفوبيا من الجماعات الأخرى المختلفة غير التي ينتمي لها الفرد المتعصّب نتيجة للتمركز حول الذات والأنانية وعشق الذات والنرجسيّة، فيتسبّب عن طريق الآلية الدفاعية النفسية "تحوّل المخاوف" لدى المتعصبين في شعور بتهديد المتعصب ضدهم لكيان وأمن ومكانة وذات المتعصبين. كذلك فإن بعض إتجاهات التعصب تخدم مشاعر التفوق لدى المتعصبين، خاصة إذا كانوا من أولئك الذين يعتقدون، خطأ أو صوابا، بتفوّق عنصرهم أو جماعاتهم على غيرهم وامتلاكهم الحقيقة المطلقة، ولديهم من الإمكانيات العلمية والثقافية والوسائل المادية والتكنولوجية ما يتركهم يسخرون من غيرهم ويحتقرون الآخر، وهنا كذلك يمكننا أن نتعرّف على الأقلّية المتعصّبة الأخرى التي تعيش بيننا الآن في تونس تحاول تقزيم الآخر وفرض سيطرتها ونمط عيشها ولغتها ولباسها وشعاراتها، مهدذة وجود الآخر وكينونته هي الأخرى. ولأن الفرد يكتسب التعصب من مجتمعه، من باب الموافقة أو المطابقة أو المسايرة، ويعتبر بمثابة "تذكرة دخول اجتماعي" تساعد الفرد على التفاعل الاجتماعي ومسايرة النمط الثقافي السائد في مجتمعه. ولأنّ التعصب لا يوجد في الغالب إلّا بين الشخصيات التي تعاني من السادية ومشاعر العدوان والإحباط والهذاء, ولأنّ التفكير الجامد النمطي يسهل نمو التعصب والتسلطية وعدم التسامح تجاه الأفراد والجماعات والسلالات والأجناس الأخرى. ولأنّه غالبا ما يرجع التعصّب إلى عدم الأمن الذي يطغى على تكوين الشخصية لدى المتعصّبين، ولأنّ التسلطية ترتبط إرتباطا موجبا بالتعصب، فإننّي أوجّه ندائي إلى كافة القيادات الحزبية في تونس وكافة مكوّنات المجتمع المدني وكافة أعضاء المجلس التأسيسي لأقول لهم جميعا: لقد ثار الشعب واستشهد في سبيل الحرية والكرامة العديد من التونسيات والتونسيين، وهرب بن علي، وانحلّ التجمّع الدستوري الديمقراطي، وتغيّرت الحكومة، واختار الشعب ممثّليه لهذه المرحلة، فحذار حذار من التسلّط، وحذار حذار من التعصّب...