في المجتمعات الدّيموقراطيّة المتحضّرة ، لا شرعيّة أبدًا للشّارع إلاّ في حدود المطالبة والضّغط والتّحسيس بقضيّة مّا أو شأن ما ... في ديموقراطيّة العربان يريدون أن يصبح الشّارع هو مركز القرار ، ينصّب ويخلع ويستفتى ويفوّض ... لا شرعيّة للشّارع لأنّ الفاعل في المجتمعات الدّيموقراطيّة هو الكائن السّياسيّ ، أي المواطن ، والمواطن في النّظام الدّيموقراطيّ هو تسمية تطلق على صنف محدّد من النّاس : لهم حقوق مدنية وسياسية واقتصادية قد تختلف حسب أنظمة الحكم حيث في الأنظمة الديمقراطية المواطن هو شخصية قانونية لها الحق في التعبير وليس الحقّ في التّغيير .. فالتّغيير يجب أن يتمّ دائما عبر القنوات والمؤسّسات والمسالك والقوانين النّافذة في أيّ بلد ديموقراطي ... عندما تحشد القصّر والأطفال في السّاحات والمظاهرات وتدّعي أنّك حصلت على التّفويض الشّعبيّ فأنت لصّ ومخادع ومزوّر .. تزن الحصى مكان البقول وتقول ها هو الميزان ... الحقّ في التّقرير السياسي هو حكر على المواطن السياسي حسب ما يحدّده القانون ، وإلاّ لفتحنا أبواب الانتخاب حتّى للقصّر والرّضّع .. الأمر الثّاني أنّ تقدير الحشود في الشّارع لا يمكن إلاّ أن يكون اعتباريّا واعتباطيّا وخاضعا للمزايدة والتّهويل أو التّسخيف ، حسب موقع كلّ طرف ومصالحه ... ونحن نعرف ما حدث يوم 30 جوان في مصر ، حيث روّجوا لثلاثين مليون في الشوارع ، في حين أنّ الحسابات العلميّة لا يمكن أن تتجاوز مليون شخص .... فمتى يفهم العرب أنّنا قد خرجنا من عصر الدّيموقراطية القرطاجية واليونانية والبيزنطيّة ... فلنعد إلى نظام المبايعة إذن ، ونترك الانتخابات العبثيّة مادام الأمر يمكن أن يحسم بعدّ الرّؤوس على المشاع في الشّوارع .. تماما مثل بيع الغلال على رؤوس الشّجر ...