الوجود شرط التطور ووحدة الأوطان خط أحمرهذه حقيقة لا ينكرها إلاّ جاهل أو خائن ولا يمكن دحضها مهما كانت التبريرات وإذا ما طبقنا هذه القاعدة على الأحداث التي تهزّ سوريا العربيّة سنخلص إلى أنّ هذه الحرب القذرة التي تستهدفها هي حرب وجود وليست حربا لتحديد طبيعة النظام والحكم فيها تحت شعارات مخادعة وبرّاقة تسمّى فرض الديمقراطية كما يدعي ذلك قطاع واسع من الرأي العام العربي ومنهم لسوء الحظ بعض من يدّعون امتلاك صكوك غفران الوطنيّة. وهم الذين تمّ التحكم فيهم وتوجيههم لعشرات الأشهر من طرف ماكينات القهر الإعلامي الخليجية والعالميّة وفي مقدمتها قناة الجزيرة القطريّة التي لم يعد خاف أنّها تعكس أجندات أميرها السياسيّة الخيانيّة المريضة. لا يمكن بعد كل ما شهدناه من سيناريوهات تآمريّة على الساحة السوريّة يتقاطع فيه الخليجي بالتركي بالإسرائيلي بالأمريكي والأوروبي ويتحالف فيها الاخواني والوهابي والطائفي والليبرالي والقومي المعدل جينيا على النخب الحقوقي الديمقراطي البترو- دولاري وتستعمل فيها جميع الأسلحة القذرة الإجراميّة المافيويّة الإرهابيّة العربيّة والصهيونيّة والأمميّة ويضخّ فيها المال والسلاح والمرتزقة والتكفيريين ويجنّد المخابرات العالميّة وتصوّب فيها مدافع الإعلام المضلّل، لا يمكن أن ننخدع بأجندات باتت مفضوحة وأن نعذر المغرّر بهم جهلا والحاقدين ثأرا والخائنين طمعا لأن الفاعلين الأساسيين اليوم في المحرقة السوريّة هم أصحاب قوّة السلاح لا قوّة الاقتراح، والشعب السوري خرج من المعادلة نهائيا وأصبح متابعا سلبيا للحرب العبثيّة بين جيشه الوطني والمجموعات المقاتلة السوريّة والجهاديّة المستقدمة من شتّى أصقاع العالم إن لم يكن قد شرع في تطهير قراه جنبا إلى جنب مع جيشه من جحافل المرتزقة، نسي الشعب السوري شعاراته المشروعة التي رفعها في بداية حراكه العفوي « سلميّة سلميّة» و «الشعب يريد إصلاح النظام » التي صارت اليوم جزء من الماضي مع أنّها وجدت تفاعلا وإن تأخر نسبيا من الرئيس الشاب بشّار الأسد، وهو ذاته الذي باشر في بداية حكمه عملية تنفيس ديمقراطي سُمّيت حينها «بربيع دمشق» - وهو غير ربيع الدجل الحالي - سمح فيها للمثقفين وبعض المعارضين ببعث بعض المنتديات الفكريّة سرعان ما ضاق بها صدر حرس النظام القديم وعلى رأسهم عبد الحليم خدام الذي تحوّل اليوم بقدرة قادر إلى داعية للديمقراطية وحقوق الإنسان بعد انشقاقه وهربه من سوريا اثر انسحابها من لبنان وتحالفه مع الإخوان المسلمين السوريين. مرّة أخرى، لكن تحت ضغط الشارع السوري يسارع الرئيس الشاب إلى القيام بإصلاحات سياسيّة ودستوريّة، كان الوقت قد تأخّر لتلقى تفاعلا من شعبه الذي وجد نفسه واقعا تحت سطوة تجاذبات إقليمية ودوليّة رفعت من سقف المطالب إلى عنان السماء ودعت إلى إسقاط النظام برمّته وصاحبت مطالبها تلك بقصف إعلامي غير مسبوق من قِبَل قناة الجزيرة المسماة تندرا « راعية الثورات الإخوانيّة الأولى ». اليوم وبعد سنتين من انطلاق الحراك الشعبي خرج الشعب السوري أو يكاد من المشهد الاحتجاجي وأصبح يتابع ما يجري عبر الفضائيات ويكتفي باللهاث لتأمين مستلزماته الحياتيّة الضروريّة للحفاظ على حياته وسط غابة البنادق ومحرقة الصواريخ وكرنفال القصف والتفجيرات وهو واقع تحت سطوة الرعب والذهول ممّا آلت إليه الأمور، وهو يسمع ويرى غرباء الأرض والسماء يسيطرون على المدن والقرى والأحياء ويعلنون دون مواربة أهدافهم في أسلمة المجتمع السوري المسلم ويعلنون الإمارات الوهابيّة ويطالبون باستعادة دولة الخلافة السنيّة المطهرة من الطوائف المسيحية والعلوية والشيعيّة والدرزيّة والأقليات الكرديّة وغيرها من المكونات الثقافية والاجتماعيّة التي صنعت فرادةَ الشعب السوري وتميزه القومي وفسيفساء عروبته الجامعة التي يتعايش فيها الجميع منذ عشرات القرون. اليوم وبعد سنتين على الحراك المدني سقطت كلّ أحلام السوريين في الحرية والديمقراطيّة والعدالة الاجتماعية والتعدديّة السياسيّة في ظلّ جمهوريّة مدنيّة حرّة مستقلّة تعلي من قيم المواطنة والمساواة، وتحولت كوابيس مرعبة أبطالها ارهابيّون قتلة وطائفيون اجتثاثيون قدموا من عصور الانحطاط الثقافي والعرقيّة المدمرة، تكفيريون جهلة وحمقى يزرعون الموت والخراب أينما حلّوا لا تعنيهم الوطنيّة والوطن، راياتهم السواد وثقافتهم القصاص والرّجم باسم المقدس الذي حوّلوه إلى خرقة ولحية وجلباب يسترون خلفها أطماعهم في السلطة والمال. لقد أثبتت الوقائع التي تدور في سوريا منذ سنتين أن المستهدف الوحيد وحدة سوريا الوطن والشعب والغاية التي يخفيها أسياد التخريبيين هي تحييد قلعة العروبة وإضعافها وإخراجها من المعادلة الإقليمية حتّى يسهل للكبار رسم خارطة نهائيّة لشرقهم الأوسط الجديد على أنقاض شرنا العربي العظيم وتأمين مصالح حليفهم الصهيوني في القلب منه. إن وحدة سوريا الوطن والشعب وضمان وجودها دولةً موحدةً مستقلّة أصبح اليوم على المحكّ، ولم تعد الكلمات تنفع مع صوت المؤامرة المتفجر ورائحة الدم السوري المراق على مذبح المصالح الإقليميّة والدوليّة والمطامع الإخوانيّة بتواطؤ من مشايخ وأسَر مدن الملح الخليجيّة التي قهرت شعوبها وأذلتها وسامتها الذلّ والهوان واشترت وثيقة بقائها بمنأى من التغييرات الثوريّة وهي الأحقّ بها قبل كل الدول العربيّة الأخرى وهي الغارقة في التخلّف والعمالة. لا صوت يعلو فوق صوت مدافع الجيش العربي السوري العقائدي الذي لم يدجن وهي تحصد رؤوس الفتنة وتستميت في الدفاع عن وحدة التراب السوري فهو وحده القادر على حسم الصراع ضد الخونة والحاقدين والجهلة وإفشال كل المؤامرات الأمريكية والصهيونية والتركية المدعومة بمشايخ النفط وقطعان القاعدة والإخوان المنافقين وبعدها سيكون لكلّ حادث حديث وسيكون بمقدور الشعب السوري أن يقرر مصيره ويحسم معركته الديمقراطيّة مع نظامه وحكومته ورئيسه في ظلّ دولته الموحّدة المستقلة.