هاريس تتحدى ترامب لمناظرة ثانية والأخير يرفض    نقابة القضاة تعبر عن استيائها مما اعتبرته "حملة ممنهجة "ضدها    في النصف الأول من العام القروض البنكية تشهد تطورا    مطلوب المزيد من الحوافز والاعفاءات ..عدد السيارات الكهربائية في تونس مازال ضعيفا    الاتّحاد المنستيري يُودّع كأس رابطة أبطال إفريقيا    أخبار شبيبة العمران ... الشبيبة ترفع شعار التحدي    عوسجة ..وفاة تلميذة إثر دهسها جرار أمام مدرستها    في تونس وصفاقس ومدنين: حجز بضائع مهرّبة بقيمة مليارين    سمير الوافي في ردّ خاص …شكر الله سعيك وثبت أجرك    مع الشروق .. لبنان و جامعة العجز العربي    تحقيق على الطريق ...بسبب الماء والدواء ...الأشجار في خطر وتفاح سبيبة مهدّد    الليلة وفجر الغد: أمطار بهذه الجهات    الطائرات الإسرائيلية تشن 80 غارة في 40 دقيقة فقط على البقاع الغربي وجنوبي لبنان    الفنان مرتضى الفتيتي ل«الشروق» «أخاف أن يقلق مني الجمهور» لذلك أبحث عن التغيير    وزارة الصحّة تطلق حملة توعوية ...أكثر من ربع التونسيين مصابون بالسمنة    تونس: منصّة ورقم هاتف للإبلاغ عن كل من يُلقي بنفايات الهدم والبناء بالشوارع    فرنسا: الإليزيه يعلن التشكيلة الحكومية الجديدة بقيادة ميشال بارنييه    القيروان.. ظهور تشققات وتصدعات جديدة في سور المدينة العتيقة    النادي الصفاقسي يتأهّل إلى دور المجموعات    ما هي بطاقة ''الفيزا البنكية''    توفير نحو 300 ألف جرعة تلقيح مضادة لل0نفلوانزا    فوائد لقاح ''القريب''    الليلة.. أمطار متفرقة وطقس مغيم    الاتحاد المنستيري يواجه النجم الساحلي والترجي يلاقي الملعب التونسي على قناة الكأس    النادي الصفاقسي في مواجهة حاسمة أمام روكينزو البوروندي: تعرّف على التشكيلة الأساسية    بطولة المانيا: بايرن مونيخ يكتسح بريمن بخماسية نظيفة    تأجيل إضراب أعوان مؤسستيْ شركة السكك الحديدية وشركة أشغال السكك الحديدية    تعديل القانون الانتخابي يشكل مسا بمؤسسات الدولة و تجاوزا للقضاء الإداري (حملتا زمال والمغزاوي )    الاتّفاق على الزيادة في أجور العاملين بقطاع النزل السياحية    ثلاثة أفلام تونسية تشارك في الدورة الخامسة والثلاثين من مهرجان الفيلم العربي بفاماك    القصرين: المنسقون الجهويون والمحليون لحملة قيس سعيد بالجهة يواصلون الحملة الدعائية الميدانية لمرشحهم    بفارق 7 سنوات عن العالم: دولة تحتفل برأس السنة 2017    بداية من الإثنين القادم: الأمطار تشمل أكثر من معتمدية    عبد الرزاق الشابي: إشتهرت ب12 كلمة    عبد الرزاق الشابي يكشف قصة حبّه مع علياء بلعيد    عاجل/ المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تحذر..وهذه التفاصيل..    وزير الخارجية يشارك في قمّة "المستقبل" والدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك    عاجل/ العثور على جثة امرأة متعفنة بمنزلها..    الاعتدال الخريفي يحدث في تونس غدا الأحد على الساعة 13 و43 دقيقة    هام/ هذه الامتيازات الممنوحة للتونسيّين المقيمين بالخارج عند اقتناء السيارات الكهربائية..    الرابطة الأولى: تحديد ملعب مواجهة مستقبل سليمان والترجي الرياضي    وزارة الفلاحة تنشر جدولا زمينا لانطلاق عمليات الصيد البري في اطار موسم 2024 -2025    البنك المركزي يعزز دعم الزراعة في تونس بتوسيع نطاق القروض وتعديل شروط السداد    جريمة غامضة ومروعة.. العثور على أم وولديها مذبوحين بمنزلهم..#خبر_عاجل    وزارة الصحة تناقش مشروع قانون يتعلق بتربية الكلاب والحيوانات الخطرة على هامش التحضير لليوم العالمي لداء الكلب    ظهر في مناطق قريبة من الحدود مع السودان: مرض غامض يضرب هذه البلاد    مؤسسات إعلامية تقاضي غوغل    بقيادة معين الشعباني: نهضة بركان المغربي يبلغ دور مجموعات مسابقة كأس الكاف    الطقس في تونس : أمطار خفيفة واعتدال في الطقس    نكسات حزب الله.. أبرز القياديين المستهدفين خلال أشهر    حكايات من الزمن الجميل .. اسماعيل ياسين... الضاحك الحزين(2 /2).. النهاية المأسوية !    عادات وتقاليد: مزارات أولياء الله الصالحين...«الزردة»... مناسبة احتفالية... بطقوس دينية    "دريم سيتي" يحل ضيفا على مهرجان الخريف بباريس بداية من اليوم    رم ع الصيدلية المركزية: "توفير الأدوية بنسبة 100% أمر صعب"..    توزر: وضع حجر الأساس لانجاز المحطة الفولطوضوئية الجديدة بطاقة انتاج قدرها 50 "مغواط" بجانب المحطة الأولى    والدك هو الأفضل    كظم الغيظ عبادة عظيمة...ادفع بالتي هي أحسن... !    مصر.. التيجانية تعلق على اتهام أشهر شيوخها بالتحرش وتتبرأ منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقاه خالد الحداد : الدكتور محمد حسين فنطر ل «الشروق» - الوضع في تونس غير ملائم لبعث ثقافة جديدة
نشر في الشروق يوم 31 - 12 - 2012

«المنتدى» فضاء للتواصل مع قراء الشروق بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكاديميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر، تبتعد عن ذلك الى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة اثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي 2011.

اليوم يستضيف «المنتدى» الدكتور محمد حسين فنطر المختص في التاريخ القديم والآثار الفينقية البونية وتاريخ الأديان والذي سبق له البحث والتقصي في العديد من الملفات وخاصة منها دستور قرطاج وهو اول دستور عرفته بلادنا ومن المهم اليوم الاستماع الى مقاربات الدكتور فنطر في هذه المسالة في وقت يواصل فيه المجلس الوطني التأسيسي مناقشة الدستور الرابع في تاريخ بلادنا في أعقاب ثورة 14 جانفي 2011.

وقد سبق للمنتدى أن استضاف كلا من السادة حمادي بن جاب الله وحمادي صمّود والمنصف بن عبد الجليل ورضوان المصمودي والعجمي الوريمي ولطفي بن عيسى ومحمّد العزيز ابن عاشور ومحمد صالح بن عيسى وتوفيق المديني وعبد الجليل سالم ومحسن التليلي ومحمود الذوادي ونبيل خلدون قريسة وأحمد الطويلي ومحمد ضيف الله والمفكر العربي الافريقي رشاد أحمد فارح واعلية العلاني وجمال بن طاهر وجمال الدين دراويل وكمال عمران وجمعة شيخة والدكتور ابو لبابة حسين الّذين قدموا قراءات فكريّة وفلسفيّة وسياسيّة معمّقة للأوضاع في بلادنا والمنطقة وما شهدته العلاقات الدولية والمجتمعات من تغيّرات وتحوّلات.

وبامكان السادة القراء العودة الى هذه الحوارات عبر الموقع الالكتروني لصحيفتنا www.alchourouk.com والتفاعل مع مختلف المضامين والأفكار الواردة بها.
انّ «المنتدى» هو فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا الى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الاعلاميّة اليوم، انّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و«صراع النخب» و«جدل المفكرين» و»تباين قراءات الجامعيين والأكاديميين من مختلف الاختصاصات ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والانسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.

وسيتداول على هذا الفضاء عدد من كبار المثقفين والجامعيين من تونس وخارجها، كما أنّ المجال سيكون مفتوحا أيضا لتفاعلات القراء حول ما سيتمّ طرحه من مسائل فكريّة في مختلف الأحاديث (على أن تكون المساهمات دقيقة وموجزة في حدود 400 كلمة) وبامكان السادة القراء موافاتنا بنصوصهم التفاعليّة مع ما يُنشر في المنتدى من حوارات على البريد الالكتروني التالي:
news_khaled@ yahoo.fr.

كيف تقرؤون ما يحدث في تونس منذ 14جانفي 2011 ؟

ان ما تعيشه تونس منذ جانفي 2011 منعرج في تاريخ بلادنا وهو ثمرة عمل دؤوب يعود الى نشأة حركة التحديث التي تنفس فجرها في أواسط القرن التاسع عشر مع أحمد باي الذي أنشأ المدرسة الحربية بباردو وأخذ عنه المشعل خير الدين وآخرون كثيرون هيئوا له ومنهم محمد علي الحامي و الطاهر الحداد والثعالبي والحبيب بورقيبة وفرحات حشاد. فالثورة التونسية ثمرة هذه الحركات المتتالية المتفاعلة. فهي ثورة ذات أسس ومرجعيات أبعادها كونية تؤمن بالانسان أي بالحرية والكرامة وتطمح الى الأفضل. وما تعيشه تونس اليوم من تجاذبات حزبية وحراك اجتماعي فهو أمر طبيعي في بلاد آمنت بالحرية والحداثة وترنو الى بناء صرح ديمقراطي على أسس قوية تصمد أمام صروف الدّهر لا تجتثها الهزات الرجعية السلفية.

تنخرط الثورة التونسية في سياق الطموحات التي ما انفكت تنمو لدى شعوب المعمورة وأصبحت تحرك الجنوب كما حركت الشمال منذ نهاية القرون الوسطى الأوروبية. فالثورة التونسية ترتكز على المدرسة والجامعة فالذين أنجزوا ثورة 14 جانفي 2011 شباب تغذى العلم والمعرفة على مقاعد المعاهد والمدرجات الجامعية التي فتحت لجميع أبناء الشعب من الميسورين والفقراء، ذكورا و اناثا وقد توفرت ظروف الارتقاء لجميع طبقات الشعب التونسي فكان الحراك الشعبي حتى انّ غالب الأطر التي تتولّى شؤون البلاد ينتسبون الى اوساط متواضعة بل فيهم من قفز من الكوخ الى مدرجات الجامعات والمعاهد العليا ولا ننسى الأبواب التي فتحت لأطفال بو رقيبة، لكنّ المنظومة التربوية لم تحض بالتطور والتعهد حتى أصابها العقم خلال العقدين الأخيرين فأنجبت أصحاب شهائد عليا غير مؤهلين للانخراط في المنظومة الاقتصادية ولا في المنظومة التربوية وهم الذين أخطأ في حقهم النظام البائد فهي الجريمة الكبرى التي قضت على تكوين الناشئة مكتفية بتقديم شهائد قيمتها زغاريد الأمهات في شهر جوان. فلا بد اذن من اعادة النظر في منظومتنا التربوية اذا أردنا لثورتنا التوفيق.

ما علاقة ذلك بمجموع التحولات في كامل المنطقة العربية تحت ما يسمى بالربيع العربي؟

الربيع العربي من خيال الغرب الأوروبي الأمريكي لأن هذا العالم المتفوق مازال ينظر الى العالم العربي كجمع مفرد يريد حصره في قفة واحدة ويعمل على اقناعه بأنه وحدة لا تستطيع التوحد؛ يقول له ها أنت ولن تكون الاّ هكذا ويعمل حتى أن لا يكوِّن العالم العربي وحدة تؤمن بالخصوصيات العرقية والثقافية والدينيّة ولا يقبل من لا دين له. فلا يوجد عالم عربيّ متماثل الا في الخيال، فلكل شعب من الشعوب العربية تاريخه وميوله وطموحاته مع العلم أن الوحدة العربية لن تكون الّا على مراحل تمرّ ببناء كيانات تؤمن بخصوصياتها العرقية والثقافية وتعتزّ بها. فبعد بناء هذه الكيانات يمكن التفكير في وحدة عربيّة على غرار الاتحاد الأوروبي مستدامة تكون قوة تساهم حقا في بناء الحضارة الكونية وهو ما لا يريده الغرب الذي يعتقد أن وجوده في انعدام الآخر أو في وجوده ضعيفا لا يستطيع توظيف ثرواته حتى يبقى الثري الفقير لغيره الأوروبي أو الأمريكي.

هل نحن في اتجاه بناءات ومناهج ثقافية جديدة ترفد التحولات السياسيّة الجارية ؟

مازال الوضع في تونس غير ملائم لبعث ثقافة جديدة ترفد التحولات السياسية بل تعيش تونس مخاضا عسيرا كثرت فيه الطموحات الفردية والجماعية بحثت عمن له طموحات لتونس فلن تجده بيسر أما الذين يغذون طموحات شخصية أو حزبية أو فئويّة فهم كثرة. وعلى كل فاعتقادي أن المشاريع لا يكتب لها الانجاز ولا تكتب لها الديمومة ما لم تبن على أسس ثقافية تجمع بين الأصالة والحداثة وبالأصالة نعني الرجوع الى المصادر الأصلية الأصيلة أيّا كان الزمن والدين وأيّا كانت الثقافة والتقاليد فأصالتنا في قرطاج وفي القيروان دون اقصاء الأصول الأمازيغية عبر العصور.

هل نحن في حاجة الى انتقال ثقافي؟

لا شك أننا في حاجة أكيدة الى انتقال ثقافي يكون أساسه الانتصار عقلا وايمانا لمختلف طبقات تراثنا التليد دون انتقاء ولا اقصاء. ولن يكون هذا الانتقال التراثي انتقالا حقيقيا بالنقل والاستنساخ بل يكون بالرجوع الى الأصول ونقدها متنا وشرحا وهو ما قامت به الشعوب الأوروبية منذ فجر نهضتها وكان ذلك بكسب ما أنجزه الأول في مختلف الميادين وعبر مختلف العصور الاغريقية واللاّتينية دون اقصاء ما أنتجته العصور الوسيطة

فهل يحق لنا التفريط في قرطاج البونية وقرطاج الرومانية ومكاسبهما وهل يحق لنا التفريط في القيروان ومكاسبها والمهدية وتونس الحفصية والحسينية بل أقول أن الكنوزالبونية واللاتينية والأمازغية والعربية تبقى مقفلة كحصالة حبلى بدنانير من ذهب غزيرة ونحن ننظر الي الحصّلة ونتباهى بها دون معرفة محتواها معرفة جيدة ودون أن نحسن الاستفادة من ذلك الكنز المكنون بل نحن لا نعرف حتّى ما تضمّه المصنّفات العربية ولا نعرف لغتنا العربية ما دمنا عاجزين على وضع معجم حديث يتناول قضايا اللغة وتاريخها وأصولها السامية بالرجوع الى حمير وبابل وأشور وكنعان وغيرها. أليس من العار أن تبقى اللغة العربيّة تشكو فقرا لمعجم تاريخيّ ولمعجم تأثيليّ ؟

كتبتم عن دستور قرطاج، اليوم التونسيون يتجهون لكتابة دستور جديد، هل يمكن أن نجد روابط بين مختلف الدساتير التي مرّت على بلادنا ؟

الدساتير التي عرفتها بلادنا أربعة: أوّلها دستور قرطاج الذي يعود بنا الى القرن السادس قبل ميلاد عيسى عليه السلام لمقتضيات المجتمع وقد نوه به أرسطو ووصف دواليبه ونظمه وطرق تكوينها. على أن ما يتوفر من المعطيات حول دستور قرطاج لا يفي بالحاجة ولا يمكن المؤرخ من الوقوف على المواصفات والتفاصيل جميعها مع العلم أنَ المخبر الأساسي في هذا الشأن من تاريخ قرطاج وحضارتها هو الفيلسوف الاغريقي أرسطو صاحب كتاب « السياسة» الذي يعود الى القرن الرابع قبل ميلاد المسيح وينضاف الى هذا المورد الثمين شذرات مبعثرة في كتب القدماء من اغريق ورومان هذا وفي قرطاج وبعض المدن الأخرى تم العثور على نقائش بونية تشير الى قضاة وموظفين في المجالين الديني والمدني فاستنادا الى هذه الوثائق المختلفة يمكن رسم ملامح الدستور القرطاجي ومن مميزاته الجديرة بالتنويه أنه يشف عن نظام ذي غرفتين تعرض القوانين على كلتيهما لتصبح نافذة المفعول.

مجلس الشعب

تعرف الغرفة الأولى بمجلس الشعب وكانوا في قرطاج يسمونها «عم قرت حدشت» وتضّم كل المواطنين الذين تتوفر فيهم شروط ضبطها المشرَع لكنَ الوثائق المعتمدة لا تتضمن معطيات واضحة تمكّن من الوقوف عليه، أما صلاحيات هذه المؤسسة فهي عديدة تتعلق بالحرب والسلم والحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بل لمجلس الشعب حق النظر في كل القضايا لا سيما ان لم يتوصل السبطان والغرفة الثانية الى قرار مناسب في الغرض .

كيف كانت تسمى هذه الغرفة الثانية عند القرطاجيين؟

ما زال الجواب عن هذا السؤال افتراضيا. فاستنادا الى وثائق متأخرة تم العثور عليها في مدن بونية عديدة في شمال غربي البلاد التونسية، وفي شرق الجزائر وفي مواقع أخرى، قدمت فرضية مفادها أن ما نسميه بمجلس الشيوخ كان القرطاجيون والمتأثرون بالحضارة البونية يسمونه «بعول قرطاج» فالبعول في قرطاج وفي المدن البونية الأخرى يمثلون الأعيان.


قد تعود هذه المؤسسة الى تقاليد الممالك الفينيقية وأعرافها. لكنها تطورت واتّخذت طابعا دستوريا ومن ذلك أن الأعضاء ينتخبون من قبل الشعب طبقا لما تقتضيه القوانين من شروط كالمواطنة والسنَ والثروة والمستوى الثقافي فضلا عن الوجاهة والقدرات الشخصية. ولم يخف عن القرطاجيين ما للدعاية من وزن للحصول على ثقة الناخبين وأصواتهم يوم الاقتراع. وعدد الأعضاء في هذا المجلس ثلاثمائة. كانوا يجتمعون في مقر خاص وقد يعقدون جلسات في المعابد عند الاقتضاء.



ان صلاحيات هذا المجلس عديدة متنوعة تغطي كامل ميادين السياسة والادارة. فهو مركز التصور والتنسيق والمتابعة: يعلن الحرب ويمضي معاهدات السلم والتعاون مع الدول الأجنبية ويناقش مشاريع القوانين الاقتصادية والتجارية والثقافية والاجتماعية: فقد يصادق عليها وقد يبعدها. ومن صلاحياته النظر في بعض القضايا العدلية وخاصة منها تلك التي تتعلق بتصرف بعض القضاة وبعض الموظفين السامين والقادة العسكريين المتهمين بالتجاوز أو التقاعس أو بالاستيلاء على أموال الدولة، ويوكل الى لجنة منتخبة تعد ثلاثين عضوا تصريف شؤون المجلس كتحقيق الملفات ومتابعتها وتهيئة جدول الأعمال طبقا لما قد يقتضيه الظرف. وترفع اللجنة تقريرها الى المجلس للنظر واصدار التعليمات الصالحة.

كيف نظم المشرع القرطاجي السّلطة التنفيذية ؟

نظم المشرّع القرطاجي أحكام السلطة التنفيذية وخصص لها فصولا في الدستور ويوكل تنفيذ القوانين والأحكام الترتيبية الى سبطين والسبط في قرطاج هو القاضي بالمعنى الواسع ومفاد ذلك أنّه يقضي بين الناس ويدير شؤونهم طبقا للقوانين المصادق عليه.


يتولى السبطان تصريف شؤون الدولة بعد انتخابهما من قبل مجلس الشعب لسنة واحدة مع امكانية الترشح للخطة مرات عديدة، وتعتمد في اختيارهما مقاييس منها الثروة والكفاءة والمستوى الثقافي فضلا عن الوجاهة والقدرة على كسب الثقة والقيام بحملة انتخابية ناجعة.


ومن صلاحيات السبطين دعوة الغرفتين للانعقاد وهما اللذان يهيئان جدول الأعمال بالتعاون مع لجان مختصة منتخبة ويترأسان الجلسات ويديران النقاش مما يوفّر لهما أسباب القيام بدور خطير فعال واليهما يوكل تنفيذ السياسة المتفق عليها ويتابعان دواليب الادارة ويشرفان على كل ما قد يستوجبه الاجراء

مجلس المائة

والى جانب المحاكم العادية التي تنظر في القضايا المدنية والجناحية يوكل الى مجلس المائة النظر في القضايا المتعلقة بالتصرف وبأمن الدولة. وتتميز هذه المحكمة العليا بسلطان أعضائها الدائمين. فلقد كانت كسيف مسلول فوق رقاب الذين يتحملون المسؤولية، ادارية كانت أو عسكرية، مما جعل المواطن القرطاجي يخشى مخالب تلك المحكمة الرهيبة وقد كانت من أسباب الانكماش والابتعاد عن المبادرة
ولما تولى حنبعل الأسباطية سنة 196 بادر بحل تلك المحكمة العليا أملا في اعادة الثقة للناس وطمأنتهم على أموالهم ونفوسه.

اللّجان المختصة والهيئات النظامية

ومن بين الذين كانوا يمارسون السلطة بتفويض تجدر الاشارة الى عديد اللجان المختصة والهيئات النظامية التي منها اللجان الخماسية وقد ذكرها أرسطو في وصفه لدستور قرطاج وكان يوكل لبعضها القيام بمهام داخل البلاد أو خارجها فهذه تهتم بشؤون الديانة والمعابد وأخرى تعتني بقضايا الحسبة والضرائب وتصريف شؤون المعابد والشعائر وغيرها.


وماذا عن بقية الدساتير التي عرفتها بلادنا ؟


الدستور الثاني هو الذي انبثق عن عهد الأمان تعاقب أفراد الأسرة الحسينية على عرش الايالة التونسية يمارسون حكما مطلقا لا يخلو من الظلم والتعسّف حتى أصبحت البلاد لا تستطيع الوقوف في وجه القوى الأوروبية التي كانت تسعى الى ابتزاز خيراتها والاستيلاء عليها. فنشأت حركة اصلاح من وحي خارجي تأسِيّا بما كانت يحدث في صلب الدولة العثمانية. ومن بين المؤسسات التحديثية التي أنجبت حركة الاصلاح في بلادنا، لا بدَ من ذكر المدرسة العسكرية وهي من احداث المشير أحمد باي: ففي سنة 1840 رتّب مكتبا حربيا بباردو لتعليم ما يلزم العسكر النظامي من علوم ولَغات أجنبية دون اهمال الدراسات القرآنية. وقد أحاط المشير أحمد باي هذه المدرسة الحديثة بعنايته الخاصَة فساهمت في تكوين نخبة تجمع بين الأصالة والتفتح، كما ساهمت في نشر مبادئ الحداثة توقا الى ما تعيشه المجتمعات الغربية من عدل وازدهار بعيدا عن استبداد الحكّام وجبروتهم. هكذا أصبحت فكرة قا نون الدولة تخامر النخبة وان كانت ممن ينتمون الى القصر. وما أورده ابن أبي الضياف في كتابه الموسوم «اتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان» لا يترك للشك مجالا.

كانت قناصل الدول الأجنبية على وعي كامل بما تطمح اليه النخبة، فتحمسوا للاصلاح تماشيا مع الحركة الاصلاحية الَداخلية ولكن لغاية في نفس يعقوب: فلقد كانوا يريدون من ورائه خدمة لمصالحهم وطموحات جالياتهم ودولهم حتى أنهم فرضوا الاصلاح على الباي فرضا مهدَدين بالتدخل في شؤون الايالة. وأيّا كان الأمر، فقد وعد المشير محمد باشا باي في 10 سبتمبر 1857 بعهد الأمان الذي تضمن مبادئ تتعلق بالضرائب وحقوق الأفراد والحريات الأساسية على أنَ الأهم، بالنسبة لقناصل الدول الأجنبية، يكمن في المساواة بين الأفراد مهما كانت جنسياتهم وهو ما يفتح للأجانب حقوق العمل والتنقل والملكية وممارسة ديانتهم في ظروف آمنة. فلقد اعتمد عهد الأمان احدى عشرة قاعدة: ففي الأولى تأكيد الأمان لسائر الرعية وسكان الايالة على اختلاف الأديان والألسن والألوان. وفي الثانية تساوي أصل قانون الأداء المرتب أو ما يترتب.

وتوصي الثالثة بالتّسوية بين المسلم وغيره من سكان الايالة في استحقاق الانصاف. ومضمون الرابعة أنَ الذمّي من الرعية لا يجبر على تبديل دينه ولا يمنع من اجراء ما تستجيبه ديانته. وتتعلق الخامسة بالخدمة العسكرية بحيث لا يؤخذ العسكر الاَ بترتيب وقرعة مع بقاء العسكري في الخدمة مدَة معلومة. أمّا السادسة، فهي تخص محاكمة أهل الذمَة بحضور شخصية من أعيانهم دفعا لما قد يحدث من الحيف. وتعتني السابعة بتكوين مجلس للتجارة بالتشاور مع الدول الأخرى. وفي الثامنة اقرار المساواة بين المسلمين وغيرهم من الرعية في الأمور العرفية والقوانين. وفي التاسعة تسريح المتجر حتى لا يستأثر أحد بل يكون مباحا للجميع. وتضمن العاشرة للوافدين على الايالة حقَ احتراف سائر الصنائع والخدم حسب ما يقتضيه القانون. وتضمن القاعدة الحادية عشرة حق الملكية للوافدين على الايالة مع احترام قوانين البلاد العالقة.

فبعد الاّطلاع على الظروف والملابسات التي أحاطت بنشأة عهد الأمان، يتبين أنَه ثمرة ضغوط القناصل المعتمدين في الايالة لا سيما قناصل فرنسا وانقلترا وايطاليا وكانوا يفكرون في حقوق الجاليات ومصالحها مع اعتبارها مطامح دولهم المستقبلية ومنها كسب حق الانتصاب والملكية والشغل وهي ظروف تشجع الهجرة الأوروبية. أمَا حظَ التونسيين من عهد الأمان، فهو ضئيل بل يرى بعضهم أنهَ لم يكن موَجها اليهم بل كانوا بعيدين عنه من حيث الأسباب والأهداف ويرى بعض الخبراء أنّ عهد الأمان: « لم يمثَل تعبيرا عن ارادة حرَة ولا استجابة لتطلعات شعبيَة صريحة: فقد كان يستجيب أساسا وبالدرجة الأولى لمصالح رعايا الدول الأجنبية في الايالة وقد مارس قناصلها ضغوطا كبيرة للحصول على ذلك الدستور مستغلين اعدام يهوديّ تونسي اتَهم بتحامله على الدَين الاسلامي.

ومعلوم أنّ مرجعية النصّ الذي تمَ الاتفاق عليه تتمثل أساسا في التنظيمات العثمانية وفي مطالب قناصل الدول الكبرى. فكان على ابن أبي الضياف ومن شاركه في الانشاء أن يضمّنوا في عهد الأمان عناصرًا مضبوطة تقدم بها كل َ من قنصل فرنسا وقنصل الأنجلترة وكلاهما يمَثل دولة تريد ضمَ الايالة التونسية الى مناطق نفوذها بل الى امبراطوريتها. فلقد كان عهد الأمان اذن من تصوّر الآخر فلا علاقة له بالدولة التونسية باستثناء تعاطف بعض المتفتحين على حركة الاصلاح والتحديث كتلك التي أسست لها المدرسة العسكرية. ففي الذين تخرجوا من هذه المدرسة أو تأثروا بها تجد المفاهيم الجديدة تربة خصبة حقّا ومحيطا ملائما. وأيَا كان الأمر، فالتجربة، وان بدت فاشلة، فهي ولا شك ساهمت في تغذية روح الاصلاح وسيبقى أثرها في المعين التونسي. والدستور البورقيبي الذي صدر سنة 1957يحتلّ المرتبة الثالثة من حيث الزمن أمّا الدستور الرابع فهو الذي سينبثق عن المجلس الوطني التأسيسي ويحسب لثورة 14 جانفي 2011، وقد تم انتخاب أعضائه بكل شفافية في أيّام الحكومة الثورية التي ترأسها السيد الباجي قائد السبسي وقد نال هذا الحدث رضاء الشعب التونسي.

ولكن لهذه الدساتير الأربعة خصوصيات وفروق في مبادئ الحرية والكرامة والسعي الى ديمقراطية أساسها المواطنة لا دخل فيها للقبلية ولا للعشيرة ولا للمعتقد بل الدستور الأوّل والثالث والرابع كلّ منها يفتح الباب أمام المواطنين جميعهم. على أنّ ما سمي بدستور 1861 فتح الباب أمام الاستعمار ولم يستفد منه الا الاستعمار اذ بقي بالنسبة للشعب التونسي حبرا على ورق ودستور 1957 بقي محدودا خاضعا أحيانا لقراءة فردية موجهة ضمن التقدم الاجتماعي وبقي بخيلا أمام الحريات الفردية والجماعية والديمقراطية التعددية فكان اذا منقوصا ولكنه نقص أفرزته ظروف يطول عرضها وشرحها.

هناك جدل اسلامي علماني في تونس وتجاذب أيديولوجي عنيف، ما مردّ ذلك، وهل من المكن أن يتعاش الطرفان ؟

دون دخول في التفاصيل أقول ان تعددية المرجعيات والطموحات أمر طبيعي معروف وتعيشه كل الشعوب في عصرنا وفي العصور التي سبقت عصرنا وتلك سنة الله في خلقه وقد جاء في القرآن الكريم «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا». فالخطر بل الجريمة في عدم قبول الأخر بخصوصياته فليس من الغريب أن يكون في تونس الثورة جدل اسلامي علماني وتجاذب ايديولوجي لكن تبقى الحكمة في التعايش والتعارف من أجل الاستفادة من خصوصيات الأخر ويكون التعايش بين الأطياف كأطياف قوس قزح سيمته التنوع والتناسق والروعة حتّى أنّها سنفونية مثيرة تغري الشعوب وتطمح لعزفها.

ماذا تحتاج بلادنا اليوم ؟

تحتاج بلادنا اليوم كلمة سوية لبناء صرح عتيد عتيل يضمن حرية المواطنين رجالا ونساء بالكرامة والمساواة والعدل دون اقصاء ولا تهميش حتى نبني معا ديمقراطية أساسها القيم الانسانية الكونية التي تدعو اليها كل الأديان والفلسفات في الشرق والغرب و في الشمال والجنوب. وتحتاج بلادنا الى المصالحة والتسامح بعيدا عن الكراهية والحقد الذي قد ينبت في قلوب المظلومين والمضطهدين والمعذبين في الأرض مع العلم أن الغفران صفة من صفات الله الحسنى.

لماذا يتناقص دور المثقفين والجامعيين والأكاديميين في مثل هذه المرحلة الانتقالية ؟

الأكاديميون والجامعيون والمثقفون هم قلب الأمة النابض وفكرها القادح فهم بصرها وبصيرتها وهم الذين يشرفون على بناء الحداثة بمضامينها الثقافية والاجتماعية والسياسية و يسهرون على حماية القيّم الانسانية الكونية في صلب المجتمع وان لم ترهم على الشاشة وان لم تشاهد صورهم على واجهات الصحف والمجلات، فللمثقفين والجامعيين والأكاديميين تواضع لا يفهمه الآخرون من ذوي الطموح والأنانية والجريئة.

هذا والواقع أن عددا كبيرا من المثقفين والجامعيين والأكاديميين نراهم يناضلون يوميا وينتصرون لما يريدونه لتونس من خير وازدهار وتقدم في ميادين الديمقراطية والحرية والذود عن الحداثة. فاعتقادي أن دور هؤلاء لم يتناقص بل سرّني أن رأيت في فجر الثورة ثلة من الجامعيين يناصرون الثورة بالتأطير والتوجيه والتصوّر ولم يبخلوا على الثورة بخبرتهم ونصائحهم لتكون الثورة على درب الحداثة والديمقراطية والمساواة مطالبين بالعدل والسلم والتسامح وقبول الأخر.

هناك توسّع لدائرة العنف السياسي في بلادنا، ما هي السبل لايقاف هذا العنف ؟

يتقلص العنف السياسي متى حل التعارف والاعتراف بالآخر ومتى ابتعد الناس عن الأنانية وحب التغول فالعنف داء دواءه الوفاق والحوار الجدي الخصيب. وكيف لا يتفاقم العنف اذا لم يتمّ التصدّي في وجه من يعتقد أنه يستأثر بالحقيقة ويريد فرضها على الآخرين. ولن يكون القضاء على العنف بالعنف بل يكون بسياسة التعاون مع الآخر دون شيطنته وبسياسة تؤمن بالنقد وبالنسبية وتؤمن أن لا فرق بين مواطن ومواطن الاّ بالجهد المبذول في سبيل الوطن ولا يكون الخير الا بالتعاون بين عناصر المجموعة جميعهم دون اقصاء ولكن لا بد من التصدي لمن يتعاطى الاقصاء بطريقة أو بأخرى. و يبقى في التوافق خير الجميع ولا غالب فيه ولا مغلوب.

يرى البعض أنّ تيارات التطرف والغلو الديني والأيديولوجي تهدّد تماسك المجتمع التونسي، ما تعليقكم ؟

التطرف والغلو الديني والأيديولوجي خطر يهدّد تماسك المجتمع التونسي والمؤسف أنّنا نشاهد مظاهر التطرّف الديني يتفاقم في تونس حيث تكوّنت مجموعات ونصّبت نفسها مسؤولة على حماية الثورة ويبدو أنّها تتمتع برعاية خاصة لدى أصحاب النفوذ نقول هذا لأن الذين يمارسون العنف باسم الدين والثورة لا يجدون قوّة تتصدّى لهم وتمنعهم من ارتكاب مالا يحمد عقباه وهو ما حدث في ساحة محمد علي أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل وقبل ذلك في مدنين حيث توفي مواطن جرّاء العنف ثم رأينا العنف في جربة ضدّ نداء تونس وقد رفع المتظاهرون المحتجون بنودهم ومنها راية عليها الصليب المعكوف وهو رمز النازية وقد يكون لرفعه في جربة أكثر من دلالة وقد شوهد على شاشات التلفزة. فالأمر خطير ينبئ بالخطر فلا بدّ من وقفة حازمة من قبل الحكومة حتى ينتفي الخطر الذي يهدّد تماسك المجتمع التونسي.

هناك بروز لافت لحركات الاسلام السّياسي اليوم في بلدان الرّبيع العربي، في تقديركم هل تنجح هذه الحركات في تأمين مسارات الانتقال المرجوّة ؟

الاسلام السياسي لا نجاح له ما دام يقصي ويرفض ويعتبر أنه يستأثر بالحقيقة المطلقة ومادام يتعاطى التبشير والتكفير. فلا خير يرجى ممن يدّعون الاسلام وباسم الاسلام ينشرون الموت في بيوت المسيحية أو غيرها من الأديان. فمثلا هذا الاسلام السياسي المتعصب العنيف لن يكون مؤهلا لتأمين ما ترنو اليه الشعوب العربية في جميع الأقطار العربية من المحيط الى الخليج وكم تحتاج هذه الشعوب الى منظومة تربوية معرفية تغذي الفكر النقدي التواق الى التجديد دون تنكر للقديم فلا بد من رصد ما في القديم لسبك الجديد. فاذا أرادت حركات الاسلام السياسي تأمين استحقاقات الثورة لا بد لها أن تقبل التعامل والتفاعل مع الحركات الأخرى مهما كانت مرجعياتها.

كيف تستشرفون مستقبل تونس والمنطقة ؟

ان تونس تخطو نحو غد أفضل فكما تمكنت من التخلص من ربقة الاستعمار وكما تخلصت من الظلم والاستبداد الذي اعتراها بعد نيل الاستقلال وشروعها في بناء مجتمع الحداثة وقطعت فيه أشواطا لا يستهان بها بل من الكفر أن يحاول البعض اسقاطها في عالم النسيان كذلك ستتمكن تونس الثورة من تحقيق أهدافها وهي الحرية والكرامة والديمقراطية والمساواة بين النساء والرجال والمدن والأرياف وتدعيم صرح الدولة المدنية المؤمنة بحقوق الانسان الكونية. فاعتقادي أنّ العاصفة ستمر وستتقشّع السحب وينبلج الصبح وتتلاقى الأطياف ليكون قوس قزح بألوانه المتناسقة عربون تعايش وتعاون على البر والتقوى وتنتصر الحياة وينتصر النور على الظلام ولا شكّ أن الافادة ستحصل للجميع أي للوطن المفدّى ولرفع ذكر تونس وفي ذلك فوائد للعالم العربي جميعه.

في علاقة بالغرب، ألا توجد لديكم مخاوف من تعطّل هذه العلاقة أو فتورها على ما كانت عليه سابقا ؟

لا شكّ أن الغرب في باطنه لا يريد خيرا لعالم عربي قد يصبح حرا مزدهرا تسوسه القيم الانسانية والديمقراطية والعدالة والمساواة. لكنه سرعان ما سيتبين أن ازدهار العالم العربي واستقراره وقطعه من الدكتاتوريات والفساد ستساهم في استقرار العالم شرقا وغربا ولعله اذ ذاك ينظر الى قضية اسرائيل وفلسطين نظرة أخرى تستند الى العدل ليسود السلم وتزدهر البشرية فالشعوب العربية كغيرها من الشعوب سيمتها الواقعية وفي مستقبل متوسط أو بعيد ستعي شعوب العالم ضرورة التعايش والتعاون من أجل الانسان والمحيط وذلك بالقضاء على الفقر والجهل والمرض وسترى الأرض أن خيراتها لا تنضب بل فيها ما يفي بحاجة الجميع. و أعتقد أنّ شعوب الجنوب ستتمكّن من غزو الحداثة والتكنولوجيات الحديثة وستصبح مساهمة في بناء الحضارة وخلق الثروة وهذا يساهم في التقريب بين الشعوب وتكوين فضاءات اقتصادية وحضارية فسيحة الأرجاء ومنها الاتحاد المغاربي والاتحاد المتوسطي.

من هو محمد حسين فنطر ؟

درس في المعهد الصادقي ثم بدار المعلمين العليا بتونس. أما الحلقة الثالثة والدراسات المعمقة واصلها في الجامعات الفرنسية بمدينتي سترازبورغ Strasbourg وباريس حيث تحصل على دكتوراه الدولة في التاريخ القديم والآثار الفينيقية البونية وتاريخ الأديان (جامعة السربون باريس). مختص في اللغات السّامية الغربية وفي حضارات الشرق الأدنى لا سيما فينيقيا وقرطاج، تولى شؤون المعهد الوطني للآثار والفنون بتونس (1982-1987) مديرًا عاما وهو مدير بحوث بالمعهد الوطني للتراث ومدير مركز الحضارة الفينيقية البونية والآثار اللوبية.

مؤسس مجلة البحوث الفينيقية البونية والآثار اللوبية التابعة للمعهد الوطني للتراث، مدير سابق لدائرة التنمية المتحفية بالمعهد الوطني للتراث. أستاذ جامعي في التاريخ القديم والآثار وتاريخ الأديان في الجامعات التونسية. محاضر في جامعات روما وبولونيا وكاليار Cagliari وطرابلس وبنغازي وفي معهد فرنسا بباريس ولوفين Louvain ببلجيكيا وبروكسال، أسندت اليه دكتوراه شرفية من جامعة بولونيا الايطالي Bologna في التراث كما أسندت له دكتوراه شرفية ثانية من جامعة ساسّري Sassari في التا ريخ و الحضارة.

متحصل على وسام الجمهورية التونسية وسام الاستحقاق الثقافي (الجمهورية التونسية) وسام الاستحقاق في البحث العلمي (تونس) وسام الاستحقاق الثقافي (فرنسا) وسام الاستحقاق الثقافي (ايطاليا) عضو قار ببيت الحكمة منذ تأسيسها، عضو اللجنة الثقافية القومية سابقا، عضو مراسل لمعهد الآثار ببرلين، عضو قار بأكاديمية لينشاي بروما Accademia Nazionale dei Lincei، عضو مراسل للأكاديمية الملكية بمدريد، عضو مراسل للمعهد الايطالي لافريقيا والشرق، عضو بالجمعية الدولية لدراسة الحضارات المتوسطية. رئيس الجمعية التونسية للتاريخ والآثار سابقا، نائب منتدى حنّبعل بتونس، عضو اتحاد المؤرخين العرب وممثله في تونس، عضو اتحاد الكتاب التونسيين، عضو في الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الأساسية، عضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

متحصل على جائزة توتان بلانشي للأكاديمية النقائش والآداب الجميلة Prix Toutain Blanchet de l'Académie des Inscriptions et Belles Lettres (باريس) بالنسبة لكتاب «كركوان مدينة بونية بالوطن القبلي»، جائزة اللجنة الثقافية القومية لكتابه يوغرطة، جائزة سباتينو مسكاتي للمتوسط. Prix Sabatino Moscati pour la Méditerranée. له 27 كتابا بالفرنسية والعربيّة وما ينيف عن مائتي مقال ودراسة نشرت في مجلات تونسية وأجنبية وله مساهمات منتظمة طيلة ما ينيف عن ثلاثين سنة كما ساهم في عديد الأشرطة الوثائقية ضمن التلفزة التونسية مع كبار المخرجين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.