تعيش عديد المناطق التونسية على وقع عمليات احتجاجية وتجاذبات حادة على خلفية المطالبة بالمشاريع التنموية وبالتشغيل. وهي وضعية يمكن تفهمها وتفهم مشروعية دوافعها باعتبار أن الكثير من الجهات التي تشهد مثل هذا الحراك هي جهات كانت منسية وعانى متساكنوها طويلا من الاقصاء والحرمان والتهميش. لكن مشروعية المطالب، وضجر المواطنين من تأخر انطلاق البرامج التنموية بات يضع الحكومة والبلاد عموما أمام الثنائية الصعبة المتمثلة في الأمن والتنمية... ذلك أن الاحتجاجات الاجتماعية بما يصحبها من غلق للطرقات ومن اضرابات ومن مظاهر تهزّ الاستقرار ومعه الأمن لا تزيد إلا في تعكير الوضعية... لأن انعدام الأمن يرسل اشارات سيئة جدا الى المستثمرين سواء كانوا تونسيين أو عربا أو أجانب... اشارات تدفعهم الى الانكماش وإلى عدم المغامرة باطلاق مشاريعهم في الجهات ذات الأولوية إلى حين استتباب الأمن وبسط سيادة القانون.
هذه المفارقة من شأنها ارباك عمل أية حكومة سواء حكومة السيد حمادي الجبالي (الترويكا) أو أية حكومة مستقبلا، لأن لا أحد يملك عصا سحرية يقول بها للتنمية كوني فتكون... وقد عرض لها رئيس الحكومة يوم أمس على هامش منتدى الاستثمار العربي حين ركز على ثنائية الأمن والتنمية وعلى ضرورة توفر الأول كشرط أساسي لانطلاق العنصر الثاني ممثلا في التنمية... وهي مفارقة يستدعي حلّها والامساك بكل خيوطها تظافر جهود كل الطبقة السياسية ونشطاء المجتمع المدني وانخراطهم الفاعل والبنّاء في اقناع الأهالي في الجهات ذات الأولوية بالخصوص بوجاهة الظروف والعوامل الموضوعية التي تقف وراء تأخر انطلاق المشاريع التنموية وفي طليعتها مشروع الميزانية التكميلي من جهة وضرورة استتباب الأمن والاستقرار الاجتماعي من جهة أخرى.
وهذا الجهد يقع على عاتق الحكومة أولا... لكنه يقع أيضا على عاتق كل تونسي وكل تونسية وكذلك على عاتق كل الأحزاب ومكونات المجتمع المدني حتى يعي الجميع بأن المطلوب هو شيء من الصبر ومن التهدئة حتى تنطلق عجلة انجاز المشاريع المسطرة وحتى يقتنع المستثمرون من الداخل والخارج بعودة الأمن والاستقرار الى هذه الربوع.
قد يبدو من الصعب طلب المزيد من الصبر والهدوء ممن يكتوون بنيران الخصاصة والحرمان... لكن الحكمة مطلوبة في هذا الظرف الصعب لأن التنمية والمشاريع تحتاج أرضية صلبة يعمها الأمن والاستقرار... ولا يمكن أن تنزل هكذا من السماء... لنطلبها الآن.. وفي كل الظروف ودون إبطاء.