ما شهدته مدينة قفصة مؤخرا من احتجاجات أثناء زيارة الوفد الوزاري الثلاثي... وما شهدته بعدها مدينة القصرين بمناسبة زيارة «الرئاسات» الثلاث الى الولاية يفتح على مفارقة وجب البحث لها عن حل عاجل حتى لا تتفاقم الأمور وتنطلق الدولة بمؤسساتها في العمل الفعلي لإيجاد حلول ملائمة وعاجلة لانتظارات الشعب. أما طرفا المفارقة فهما من جهة دولة ووزارات ومؤسسات تحتاج الى مناخ اجتماعي ملائم لتنطلق في العمل وانجاز ما سوف يتيسّر انجازه من خطط وبرامج خلال هذه السنة التي تفصلنا (نظريا) عن انتخابات الوضع النهائي... وهذه الحاجة الى الهدوء والسلم الاجتماعية تفترض توافقا وطنيا وتفهما من قبل كل شرائح المجتمع وفي طليعتها أهالي المناطق الأكثر حرمانا والتي كانت أكثر من غيرها اقصاء وتهميشا والتي عيل صبرها وبدأت تتحرك للتعبير عن ضيقها من طول الانتظار. هذا من جهة، أما من الجهة المقابلة فإن طرف المعادلة الآخر، أي سكان الجهات الداخلية المحرومة فإنهم صبروا حتى ملّهم الصبر وباتوا يعتقدون ان مشاكلهم لم تعد تحتمل التأجيل وأنهم لم يعودوا في وارد منح المزيد من الوقت وإعطاء المزيد من الفرص للتدليل على وضعهم الاجتماعي والاقتصادي الحرج والذي بات من منظورهم يتطلب العلاج حالا ودون مزيد إبطاء. والواقع أن طرفي هذه المعادلة يحيلان في زاوية ما الى قصة الدجاجة والبيضة أيهما أسبق... ذلك أن منطق الحكومة في طلب التهدئة والالتزام بهدنة تنهي الاضرابات والاعتصامات لتتمكن هي من فتح الملفات التنموية والشروع في حل المشاكل العالقة، هذا المنطق يستقيم وله مبرراته الموضوعية اذ سيكون من العبثية بمكان المطالبة بحل مشاكل تنموية مع استمرار انخرام الامن وغياب الاستقرار الاجتماعي. ومن الجهة الأخرى فإن منطق سكان الجهات المحرومة ومنطق المعطلين والعاطلين عن العمل.. ومنطق التونسيين والتونسيات الذين يطالبون بحقهم في التنمية الآن وبلا تأجيل يستقيم هو الآخر اذا ما تم تبادل الأدوار والمواقع وتناول المسألة من منظار أناس يعانون الفاقة والحرمان منذ عقود. ولإيجاد حل توفيقي يوائم بين طرفي هذه المعادلة فإن المسألة تحتاج يقينا الى حوار بناء وهادئ ومسؤول.. حوار يسبقه عمل في العمق من قبل فريق الحكومة ويؤسس له مزيد من المصارحة والمكاشفة للشعب بدقة المرحلة وثقل المسؤولية وبترتيب الأولويات التنموية حسب الجهات وحسب الفئات. واذا ما أخذت الأمور هذا الاتجاه فإن كل الأطراف لن تعدم الحيلة ولا الوسيلة ولا أدوات وقنوات التواصل بشكل يضمن حماس وتعبئة الناس في الجهات المحرومة لإنجاح الخطط والبرامج الموضوعة لجهاتهم ويقطع الطريق أمام أية أجندات قد تكون تركب المطلبية الاجتماعية وتعمل على تأجيجها وجعلها تنفلت وتخرج من إطارها الاجتماعي المقبول والمعقول الى إطار يحوّلها الى فرامل تعيق عمل الحكومة وتصيب مؤسسات بالشلل وهو سيناريو مرعب سيزيد حتما في تعكير حالة اقتصاد البلاد المتردية من جهة.. ويزرع بذور سلوك احتجاجي رافض لكل شيء قد يهدّد سنّة التداول على الحكم التي تبقى أبرز عناوين الديمقراطية... فإلى الحوار إذن.. والى مزيد من الحوار بهدوء وبمسؤولية حتى يقتنع الجميع ويتوافقوا على خريطة طريق أولية تمكّن من عبور هذه الظروف الصعبة بأقل الأضرار وتؤمن المناخات الملائمة للمحطة السياسية القادمة بعد عام والمتمثلة في الانتخابات التشريعية والرئاسية بعد إنجاز الدستور الجديد للبلاد.