في ظل وضع عالمي وإقليمي دقيق يتسم ببطء الانتعاش الاقتصادي أثرت فيه التوترات الجيوسياسية التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط ووسط سياق عام يواجه فيه الاقتصاد الوطني العديد من التحديات، يبدو أن السوق المالية التونسية قد وجدت دفعا مهما من خلال تطور المؤشر الرئيسي لبورصة تونس للأوراق المالية "توننداكس". وفي هذا الصدد، سجل المؤشر المرجعي للسوق المالية منذ بداية العام والى غاية أواخر شهر ماي، تقدما كبيرا بنسبة 8.4 بالمائة، مرتفعا إلى 9487.79 نقطة. هذه الزيادة، وإن كانت مرضية نسبيا بالأرقام المطلقة، فإنها تكتسي أهمية قصوى في بيئة اقتصادية وطنية تتسم بوجود رهانات مختلفة. يأتي هذا الأداء المشجع لمؤشر توناندكس أيضا في وقت شهد فيه التداول في السوق المالية التونسية تسارعا ملحوظا. وأظهرت مؤشرات نشاط الشركات المدرجة، خلال الثلاثي الأوّل من سنة 2024، تطوّر إجمالي عائداتها بنسبة بالمائة 2.4 بالمائة مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2023 لتقدّر بنحو 6 مليار دينار. وتمكنّت 68 بالمائة من الشركات، التّي قامت بالإفصاح عن مؤشرات نشاطها، أي 48 مؤسسة من بين 71 مدرجة من تحسين عائداتها. واستحوذت الشركات 20، المكوّنة لتوننداكس 20، على 3.8 مليار دينار (أو 64 بالمائة من إجمالي هذه العائدات) أي بارتفاع بنسبة 1.4 بالمائة مقارنة بالفترة ذاتها من 2023. وزادت عائدات 5 قطاعات فيما عاد أفضل أداء لقطاعات الإتصالات (18.8 بالمائة) والتكنولوجيا (12.4 بالمائة) والصحّة (8.3 بالمائة). ويظهر تماسك المؤشر المرجعي للبورصة التونسية في مواجهة التحديات الاقتصادية المحلية ثقة المستثمرين في السوق المالية وقدرتها على تحقيق عوائد مجزية على الرغم من ظروف مالية مختلفة. كما يمكن تفسير هذا التماسك بما تشهده المؤسسات التونسية المدرجة في البورصة من استقرار في مؤشراتها وهو ما يشير الى قدرتها على الازدهار وخلق القيمة حتى في الظروف الاقتصادية الدقيقة لا سيما في المحيط الإقليمي والدولي. من الضروري النظر في معطيات تطور مؤشر "توننداكس" ودراسة العوامل الكامنة وراء تحسن أدائه بشكل نقدي وعميق بالخصوص في محور استدامة تطوره والطابع المتجذر الذي تكتسيه. لا تزال التحديات الاقتصادية الداخلية في تونس، مثل ارتفاع معدلات البطالة والضغوط التضخمية والاشكالات التمويلية الهيكلية، قائمة وتتطلب اهتماما مستمرا. بالإضافة إلى ذلك، تستمر التوترات الجيوسياسية العالمية، في الضغط على الأسواق المالية العالمية، بما في ذلك السوق التونسية. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التحديات، أظهر مؤشر تونإندكس صلابة مميزة، مما يشير إلى إمكانات أساسية قوية في السوق المالية التونسية. ويمكن أن تعزى هذه الصلابة إلى مجموعة متنوعة من العوامل، مثل تنويع القطاعات الممثلة في المؤشر، وجهود السلطات الاقتصادية لتحفيز الاستثمار، وثقة المستثمرين في السوق المحلية. من المهم، في جميع الحالات، توخي الحذر في تقييم مردود السوق المالية التونسية والاقرار بأن الأداء الراهن لها لا يضمن بالضرورة النتائج المستقبلية وهو منهج معياري معمول به في تقدير أداء كافة الساحات المالية الدولية. كما تفرض متطلبات دعم عمق السوق التونسية وتطوير مردوديتها اتخاذ عدة إجراءات استباقية وتجسيم إصلاحات مستمرة. ويشمل ذلك تنفيذ سياسات اقتصادية داعمة للنمو، وتحسين مناخ الأعمال، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال. الأخبار