المناظرة التي انطلقت أول أمس على شاشة التلفزة بين المترشحين للرئاسية والتي تستمر على ثلاث دفعات تطرح عدة أسئلة تستحق التوقف عندها. هل فعلا مناظرة؟ المناظرة تقتضي مواجهة بين المتنافسين في أن يطرح سؤال وتقع المطارحة بين الحاضرين لتبيان قدرة واحد علىهي الاجابة. هذا لم يتم. أو تطرح على الأقل أن يجيب المتنافسون الحاضرون عن نفس السؤال الذي يطرح عليهم. وهذا لم يتم كذلك. إذن أي المناظرة؟ ما شاهدناه هو استعراض معرفة ومدى إلمام مختلف المتنافسين الثمانية عبر إجاباتهم عن سؤال يطرح على أحدهم دون غيره وهكذا دواليك حتى يقع الانتهاء من المحور بمشاركة كل المتنافسين. هل يمكن اعتبار ذلك مناظرة كما عرفنا ورأينا ذلك في بلدان ديمقراطية أخرى مثل فرنسا وأمريكا وغيرهما؟ طبعا لا. ولكن هذا يعني ان ما قدمته التلفزة يعتبر فاقدا للقيمة وغير ذي جدوى؟ والجواب طبعا لا كذلك. وليس من المعقول أن نقارن أنفسنا ببلدان سبقتنا من الديمقراطية لقرون وأشواط وكبرت أجيال بشعوبها على المشاركة الديمقراطية واحترام اللعبة السياسية بما تقتضيه المنافسة وقبول الرأي المخالف والموقف المعارض والتوجه المختلف. إننا وهذا ما يجب إن نذكر به دونما السقوط في الانهزامية أو احتقار النفس نخطو خطواتنا الأولى على سبيل بناء الديمقراطية التي تبقى أفضل الأنظمة السياسة التي ابتدعها الإنسان. من هذا المنطلق يمكن القول دون مواربة ولا مبالغة لا إرضاء مغالط للنفس أن ما أنجز عبر هذه المناظرة حتى نحافظ على التسمية يعتبر أمرا إيجابيا وهامّا لأكثر من سبب. أولا: لأننا تمكنا وسنواصل ذلك من أن نلتقي عبر الوسيلة الاعلامية الأهم ألا وهي التلفزة بمترشحين إلى الرئاسية يتنافسون بهدوء ومسؤولية تطرح عليهم الأسئلة فيجيبون دون تهرّب ولا تنكّر ولا ماكياج ولكن مباشرة وعلى الهواء فيتيحون بذلك فرصة يتعرف المواطن المشاهد من خلالها على هؤلاء المتنافسين. فتحصل لهم فكرة واضحة ويتحدد بذلك له موقفا من هذا المترشح أو من ذاك. ان الديمقراطية يتعزز بناؤها ويترسخ قدمها عبر مثل هذه «الطقوس» السياسية التي تكرس تلك المقولة السقراطية الشهيرة (تكلم حتى أراك). وهكذا تحصل عند المواطن خبرة من المشاركة السياسية وتنشأ له دربة ويترسخ البناء الديمقراطي. وهكذا كذلك تندرج المؤسسات الاعلامية الوطنية ضمن هذا العمل السياسي المهم وتحصل التجربة والخبرة اللازمتان للتطوّر والتقدم. صحيح أن ما تم أول أمس في التلفزة الوطنية وباقي القنوات الخاصة ليس مثاليا لكن دون شك يمثل خطوة عملاقة نحو تحقيق الهدف السياسي المنشود المتمثل في إشاعة روح الفكر والممارسة الديمقراطية حتى يكون التقدم بلا رجعة والبناء مستعصيا على أي محاولة هدم. تكلم المترشحون المتنافسون وأجابوا عن الأسئلة المطروحة ويبقى التقييم عند المواطن الذي سمع كل واحد أو واحدة فرآه أو رآها ولا شكّ أنه شكل في نفسه فكرة حولهذا أو ذاك في انتظار أن يقول كلمته الفصل يوم الأحد 15 سبتمبر حين يدخل الخلوة الانتخابية ليضع الورقة التي تجسد اختياره في الصندوق. انطباعات أولى المنصف المرزوقي: بدا كأنه لم يتغير منذ خروجه من قرطاج في 2014 نفس اللهجة الحادة والأجوبة المتسارعة. محمد عبو: أجاب بوضوح عن كل الأسئلة لكنه ظهر سطحيا في عدة أجوبة. عبد الفتاح مورو: أكد القدرة الكبيرة على امتلاك حسن البيان والتعبير بدا باحثا عن استمالة المشاهد باتقانه البلاغة وحسن التعبير أكثر من الحجة الموضوعية الفعلية. عبير موسي: أجابت عن كل الأسئلة بمقدرة ووضوح لكنها بدت وكأنها تتلو درسا. غابت عنها الشراسة المعهودة. عبيد البريكي: خبرته اليسارية كانت بارزة في تعامله مع كل سؤال حيث استعمل قدرته على المحاججة متوخيا سبيل المجادلة والجدلية لكن اجاباته سقطت عموما في التقريبية. ناجي جلول: حرص على إبراز ثقافته الواسعة واقترح أجوبة جريئة لكنه بدا طوباويا في مسائل تستدعي معرفة ميدانية. مهدي جمعة: لهجته كانت دون معرفته بمختلف الملفات حيث بدا باردا أكثر من اللزوم لمترشح يريد اقناع منتخبيه. عموما كان ملما لكنه دون تميز واضح. عمر منصور: رغم تمتعه بأحكام إيجابي مسبقة فإنه كان دون المأمول وقدم أجوبة منقوصة وأخرى غير مقنعة وبدا وكأنه لم يكن جاهزا.