بقلم: كوثر دباش والمولدي الأحمر في عصرنا الحاضر لا ديمقراطية بلا نسيج، حزبي، ولا ديمقراطية بلا ناخبين قادرين على التموقع في الخارطة الحزبية. ولكن ما الحل حينما يقتضي الأمر الخروج من حالة الحزب الواحد واللون الواحد التي استمرت لعقود وصنعت سلوك اللامبالاة الانتخابية، والدخول في وضع سياسي جديد ميزته تعدد الأحزاب وتنوعها وتداخلها بطريقة تكاد تفقد الناخب بوصلة الاختيار: كيف يمكن للناخب التعرف على الحزب الذي يفكر تقريبا بنفس الطريقة التي يفكر بها هو؟ الحل قد يكون في البوصلة الانتخابية التي أعدها فريق من الخبراء الهولنديين والتونسيين بدعم من سفارة هولندا وإذاعة هولندا باللغة العربية، وذلك لمساعدة الناخبين على التموقع السياسي داخل الحالات التي تكون فيها الخارطة الحزبية شديدة التنوع والتعدد والتداخل، وقد جربت هذه البرمجية في مناطق أخرى من العالم اتسمت الحياة السياسية فيها بتعدد الأحزاب وتشابه برامجها. يشكل موقع الواب www.bosala.org برمجية مميزة مكونة من 30 سؤالا تتعلق بقضايا اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية تركز عليها النقاش في تونس في الفترة الأخيرة، وهي قضايا ستحدد مصير تونس السياسي في المستقبل بحسب ما ستجيب به عليها الأحزاب المترشحة للمجلس التأسيسي، وبقدر الوزن الذي سيحصل عليه كل حزب في هذا المجلس. إجرائيا تلخص العملية في ما يلي: بعد دخول الزائر إلى الموقع، وبعد تخطي الصفحة الأولى التي تطلب منه تقديم معلومات عامة تخصه وهو غير ملزم بالإجابة عنها: (الجنس والعمر والمدينة)، يطلب منه الإجابة على 30 سؤالا يجيب عنها حسب قناعته وبحسب ما يراه صالحا لتونس المستقبل، وهذه الأسئلة هي نفسها التي تكون الأحزاب قد أجابت عنها بشكل مسبق (تلي هذه العملية مجموعة أخرى من الأسئلة الاختيارية). وبعد الفراغ من ذلك يقوم البرنامج بتحديد موقع الزائر في الخارطة الانتخابية التي يكون البرنامج قد حدد فيها مسبقا موقع الأحزاب وفق محور أفقي / عمودي اعتمد متغيرات يسار / يمين/ وسط/ محافظ/ تقدمي. ومن ثم يتسنى للزائر أن يعرف من هو الحزب الذي أجاب بطريقة أقرب ما تكون لإجاباته هو، وما هو لونه السياسي العام. والهدف من هذه «اللعبة المرحة» هو أن تتكون للناخب فكرة عن الطريقة التي أجابت بها الأحزاب عن أسئلة البلاد الأكثر أهمية بالنسبة لمشروع المجلس التأسيسي، وهو ما سيساعده على تحديد خياره الانتخابي الخاص. بطبيعة الحال لم يتسن لنا التعامل مع أكثر من 100 حزب، كما أنه لم يكن من السهل التعامل مع برامج سياسية عمل أصحابها على أن تكون متشابهة عموما كي يؤثروا بها على أكبر عدد ممكن من الناخبين لهذا السبب وأيضا بسبب ضرورة التقيد بالامكانيات للبرمجية جرى اختيار عدد محدود من الأحزاب وفق 3 متغيرات. مدى «انتشار الحزب في دوائر الانتخاب (الحضور في الدوائر)، العائلة السياسية الكبرى، والأقدمية. وقد سمحت لنا هذه الطريقة بالتعامل تقريبا مع كل الأحزاب التي يرجح أن يكون لها وجود في المجلس التأسيسي القادم، إلا من رفض الإجابة عن أسئلتنا. ومن ناحية أخرى عملنا ما في وسعنا على أن نطرح على الأحزاب أسئلة توضح الاختلاف بينها وتفكك تجانسها الاصطناعي الذي يظهر جليا في برامجها الانتخابية، وهذا من أجل توفير نظرة موضوعية للناخب قدر الامكان حول المشهد الانتخابي الحالي في تونس. وهكذا فإن زائر هذا الموقع يمكنه في الأخير أن يخرج بجملة من الأفكار تساعده على الاختيار دون أن يكون ملزما باتباع نتائج هذا العملية. نحن ندرك تماما أن هذه التقنية لا يمكن أن توفر لنا نتائج صحيحة مائة بالمائة، ولكنها توفر لنا فرصة الاكتشاف والتعرف عن قرب على المواقف الحقيقية للأحزاب واختلافاتها، لأن الموقع وهذه إحدى أهم مزاياه يقدم للزائر إجابات الأحزاب (بالنص) إذا ما أراد التثبت من أنها أجابت فعلا بهذه الطريقة أو تلك. عندما ابتكر الملاح العربي أحمد ابن ماجد البوصلة في شكلها الحديث في القرن ال15، وهي تقنية مكنت الأوروبيين من سلوك الطريق البحرية إلى الهند، لم يكن يعلم أو يتوقع أن العرب قد يحتاجون 6 قرون بعده، في لحظة فارقة من تاريخهم، إلى بوصلة قد تساعدهم من جديد على الابحار في بحر الديمقراطية. زوروا إذن هذا الموقع فهو يستحق فعلا عناء الزيارة والاسترشاد.