إن ثورة الشعب التونسي.. من أجل الحرية والكرامة والتي فجرها الخلّص من الشباب من أبنائه من خرّيجي الجامعات العاطلين عن العمل منذ زمن طويل.. مرير في مذاق بؤسه.. مفجع في لوعة انتظار فرصة لشغل شريف يرفعهم من وهاد الضياع والحاجة ويخفف عن أسرهم وزر التبرّم والانكسار والإملاق ويرجع للتعليم ومؤسساته حرمة المصداقية ونبل الرسالة العلمية.. لغاية تحقيق هذه الأهداف الاجتماعية الإنسانية اندلعت ثورة 14 من جانفي المظفرة فواجهها الطاغية الجاهل.. بالحديد والنار.. والإبادة بالقتل والقنص لجموع الأبرياء العزّل.. وباصرار قدسي وتضحية جليلة فيها روح الاستشهاد لفداء الوطن المفدى. انتشرت الثورة كالنار في الهشيم وهبّ الشعب لنصرتها وشدّ أزرها عندها لأن الجنرال المخلوع بالفرار.. وترك الجمل بما حمل من حجم بيّنة لفاحش النهب وفادح السرقات والتجاوزات. .. اتاها مع زوجته الحجامة وطابور العصابة المافيوزية من ذويه وأزلام حكمه البغيض.. في حق ثروة البلاد والعباد.. إذ تحوّلت تونس في عهده إلى اقطاعية يعشق فيها الفساد والإفساد.. ويضنيها القهر والفقر والاستبداد.. ويخيم على ربعها الحرّ صمت القبور.. ولا يسمع في سجنها المديد.. إلا أنين أحرار.. نكبهم الطاغية فحوّلهم إلى عبيد فتاة شعبنا التليد لمدة 23 سنة كاملة في قفر الاستعباد.. وذاق مرّ الغربة الدامية في وطنه.. يعيد تكميم أفواه الصادقين من رجال الفكر والثقافة والإعلام.. والنقابة.. والرابطة التونسية لحقوق الإنسان.. وجملة الأحزاب والجمعيات الحقوقية المنتمية إلى الحسّ الوطني التقدمي. من أجل ذلك تصرّ ثورة الكرامة والحرية ومن وراءها الشعب كلّه.. على تأسيس حكم مدني وطني ديمقراطي يرجع الحق إلى أصحابه دون وصاية من أي طرف.. وإقامة الحدّ القانوني على كل مختلس لأموال الشعب ومحاسبة لصوص النظام البائد من العمدة إلى رأس النظام المخلوع وبطاقته والشروع في فتح الملفات الكبرى.. بداية بملف القطاع العام الذي وقع التفويت فيه لأفراد العصابة الحاكمة.. والشركات الأجنبية.. تحت غطاء الخوصصة.. بأمر من الليبرالية المتوحشة وبنوكها الاحتكارية الدولية.. كما تم السطو على الأملاك الخاصة.. ومع غريب الأحداث والحقائق التي تحدث وتخرج على المواطن كل يوم تؤكد أن هذه المافيا وأصابع أخطبوطها الجهنمي قد تفرّدت بإصدار القرارات واستباحت الوزارات وكبرى الشركات وجلّ المؤسسات ومن بينها وزارة الثقافة والمحافظة على التراث لم تستجب بعد لنداء ثورة الحرية والكرامة وتشرع في تأسيس ثقافة وطنية تستجيب إلى الطموحات الناس.. وتحقق أحد البنود الأساسية في البيان العالمي لحقوق الإنسان: ألا وهو الحق في الغذاء الثقافي مثل الحق في التعليم المجاني والصحة والشغل، وحرية التعبير.. وحق المرأة والطفل وغيره ولم تبادر بتطهير المصالح والمؤسسات التي طالها الاستبداد والعبث بإهدار المليارات من المال العام وولوج المحاسبة طورها الطبيعي: خاصة مع المدير العام للمسرح الوطني.. حيث يقبع عبد الوهاب عبد اللّه ولي نعمته وخادم القصر والساهر على اخراج حفلاته وسهراته الباذخة وموائد العربدة والأنس وتزويقها فنيا بالأضواء البنفسجية. هذا الرجل كان الناطق الفاطق في دنيا المسرح عامة والمسرح الوطني خاصة الذي حبسه على نفسه مع نفر من أتباعه.. ورغم قلة انتاجه الدرامي.. فإن ميزانية هذه المؤسسة يفوق المليار إضافة إلى كراء قاعة الفن الرابع ب 700د في الحصة الواحدة أما أيام قرطاج المسرحية الذي داوم على إدارتها ومنع المسرحيين من حضورها والعمل فيها لتأخيرها. فميزانية كل دورة تتجاوز المليار أيضا.. فأين يا ترى صرفت هذه المليارات وذابت وقبل هذا وذاك فإن نكبة الحركة المسرحية الوطنية بدأت من يوم الانقلاب عليها وتدمير كيانها: سنة 1994 شارك فيه أربعة بقيادة وتحريض من هذا الرجل وتمت هذه الجريمة النكراء في عهد وزير الثقافة المنجي بوسنينة فحلّت الفرق المسرحية الجهوية وشرّد العاملون بها.. كما أحيل أساتذة المسرح إلى وزارة التربية القومية بطريقة مهينة رغم العمل الجبار الذي قام به هذا الاطار في تحديث المسرح التونسي ورفع هامته بين الدول عبر المسرح المدرسي والجامعي، والفرق المحترفة والهاوية.. وكنت واحدا من هؤلاء الأساتذة وطبق مسؤولياتي النقابية في هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل وعضويتي في الهيئة الجهوية للرابطة التونسية لحقوق الإنسان بسوسة رفضت هذا القرار لأنه يتناقض مع قانون الوظيفة العمومية فكان له وزارة الثقافة انزال رتبتي من أستاذ إلى أستاذ مساعد وتوقيفي عن العمل لمدة عشرة أشهر مع حبس المرتبات وبتدخل من المركزية النقابية للاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في شخص كاتبها العام الأستاذ توفيق بودربالة رجعت إلى العمل وأرجعت رتبتي كأستاذ للفن المسرحي وحقي في المرتبات العشرة المحجوزة دون أن تصرف إلى حدّ اليوم بينما وجدت الشركات الخاصة المسرحية العائلية الدعم السّخي على الانتاج وآخر على العرض المسرحي دون أن يعرض هذه الشركات التي أمعنت في نشر مسرح «التقعّر» والفساد والميوعة ونشر الألفاظ النابية وثقافة الدعارة حين كان أحد الممثلين يتحسّس بكل صفاقة ورقاعة مكان عفته أمام الجمهور أثناء العرض والأكيد ان دولة الرئيس الهارب قد منهجت هذه النوعية من ثقافة الجنس والتجنيس والتغريب بُغية ضرب تماسك الشعب في ثوابته خلقه وأصالته ورفعة قيمه وعاداته وطبق هذا الانهيار الثقافي الإبداعي نرجو محاسبة الفاعلين فيه والداعين له من كتائب الإفساد التي وجب تطهير الهياكل الثقافية الفنية منها.. مع سنّ سياسة ثقافية وطنية عمادها فكر التقدم والتنوير والعدل في التوزيع عبر اللامركزية الثقافية المنشودة.. والعمل على حفظ المال العام المنهوب بعشرات المليارات إلى أصحابه ومستحقيه من حملة الشهائد العليا العاطلين عن العمل. ٭ بقلم: الأستاذ الهاشمي الأكحل