يوم 26 من هذا الشهر تكون قد مرّت سبع وثلاثون سنة كاملة على أحداث الخميس الأسود، أحداث يوم الخميس 26 جانفي 1978 الدامية التي هزّت البلاد وأودت بحياة المئات من التونسيين وخلّفت الآلاف من الجرحى إثر الاصطدامات العنيفة بين النقابيين وجماهير العمّال المتظاهرين من جهة وقوّات البوليس والجيش وميليشيات الحزب الحاكم من جهة أخرى التي كان يقودها في ذلك الوقت الديكتاتور السابق زين العابدين بن علي. ففي ذلك اليوم عمّت المسيرات والمظاهرات العمالية والشعبية شوارع وضواحي تونس العاصمة وكبريات المدن التونسية ورافقتها مصادمات وأعمال عنف وحرق وتكسير كانت مجموعات ميليشيات "الحزب الاشتراكي الدستوري" الحاكم ("التجمع" المنحل) أول من أشعل فتيلها لجر المتظاهرين والغاضبين لفوضى العنف قصد إقامة الدليل وإثبات التهمة على أن الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل دفاعا عن استقلاليته وعن مصالح الشغالين ليس إضرابا مشروعا بل هو إضراب "تقوده خلفيات سياسية مشبوهة" و"عصيان مدني يهدد الأمن والنظام العام..". وكانت النتيجة عددا كبيرا من القتلى والجرحى. وقد اعترفت الحكومة آنذاك (حكومة الهادي نويرة) بسقوط 52 قتيلا و365 جريحا في ما تحدثت تقارير أخرى مستقلة عن مقتل ما يزيد عن 400 شخص وجرح أكثر من ألف. وضمن النتيجة أيضا عدد ضخم من المعتقلين، من النقابيين، مسؤولين مركزيين وجهويين ومن مختلف القطاعات ونشطاء، ومن العمال والمتظاهرين وممن ألصقت بهم تهم التكسير والتعدي على أملاك الغير وما إلى ذلك من التهم المعروفة. في مثل هذا الجو تم تدبير الانقلاب على الاتحاد العام التونسي للشغل وتنصيب قيادة موالية للحكومة (جماعة المنصبين بقيادة التيجاني عبيد) ونسجت خيوط المحاكمة الشهيرة ضد القيادة النقابية الشرعية. وفوق كل ذلك فقد شهد يوم 26 جانفي 78 دخول الجيش لأول مرة في تاريخ تونس الحديث، على ركح الأحداث السياسية وكطرف لفض النزاع المدني بين الحكومة والمنظمة النقابية.