"جعلنا"، "وبادرنا"، "وحرصا منا"، "و سعينا"، "وعملنا"، "و وفّرنا"، "ونوصي اليوم"... بهذه العبارات استعرض بن علي تطورات المجال القضائي خلال اجتماع المجلس الأعلى للقضاء ليوم 3 أوت الجاري. جميع المبادرات صدرت عن الجهاز التنفيذي فيما انحصر دور القضاة، مشكورين، في حسن الاستفادة منها. إنّنا نعجز على العثور على أبسط إشارة تعطي للقضاء اعتباره كسلطة تتمتّع بالندية والاستقلالية. بيد أنّ المسألة لا تتوقّف عند لهجة التخاطب أو مضمون الكلمات. أحكام الدستور - وبالتحديد ما نصّ عليه الفصل 65 "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون" - بقيت مجرّد لافتة تُشهر، صيانة للطقوس، لتداس في الواقع المعاش، دون رادع ولا تردّد. هكذا تحْكُمُ الإدارة سيطرتها الكلّية على المجلس الأعلى للقضاء الذي له اليد العليا على كل ما يتعلّق بالوضع المهني للقاضي، من ترقية ونقلة وقرارات تأديبية. فتحدّد تعيينات الإدارة ما يفوق ثلثي تركيبة المجلس الأعلى للقضاء - 10 مناصب من ضمن 16 - قي حين لا يُنتخب القضاة الا ستة منهم في ظروف لا علاقة لها بالديمقراطية. يفتقد القضاة التونسيون إلى الضمانات الدنيا لأداء رسالتهم في كنف الاستقلالية حيث تبقى المعايير الدولية غير معمول بها في حين تحاصرهم شتى الضغوط الادارية. فالقاضي اليوم ليس صاحب الوظيفة السيادية، بل تعامله الادارة بصفته موظف لديها لا يحق له التعبير الحرّ ولا يسافر إلا بالترخيص، إضافة إلى حرمانه قانونا من حق الطعن في الاجراءات التأديبية. لكن أبرز الضغوط التي تطال القضاة هو دون منازع قرار نقلتهم دون رضاهم. لقد أدانت خمسة قاضيات "تسليط النقل التعسفية عليهن وعزلهن عن أطفالهن وأسرهن واستثنائهن من الترقية والنقلة" منذ سنة 2005 وضمن سلسلة من الإجراءات العقابية جرّاء مواقفهن من أزمة جمعية القضاة التونسيين. كما كشفن بشجاعة لافتة "شتى أنواع الحيف والإهانة وبإفرادهن بنظام مراقبة على الحضور بالمحاكم" وتعرضهن "لاستجوابات مهينة ومتكررة بالتفقدية العامة بوزارة العدل وحقوق الإنسان ولاقتطاع مبالغ هامة من أجورهن" وذكرن "منع أعضاء الهيئة الشرعية من التنقل يوم 21- 12- 2008 الى مكان انعقاد مؤتمر الجمعية الثاني عشر وضرب حصار أمني على منازلهم"... تطلعات الانعتاق والتخلص من واقع الدونية والتبعية يشاطره اليوم الكثير من القضاة التونسيون وهو ما يفسر لجوء الإدارة في صائفة 2005 إلى خلع الهيئة المنتخبة لجمعيتهم لمجرّد رفعها مطالب تكرّس استقلالية القاضي. ولم ننس المبادرة الجريئة التي صدرت يوم 5 جويلية 2001 عن القاضي المختار اليحياوي عندما أشار إلى "الوصاية [المفروضة على القضاء التونسي] بسيطرة فئة من الانتهازيين المتملقين الذين نجحوا في بناء قضاء موازٍ خارج عن الشرعية بكل المعايير". لقد كلفته تلك الخطوة فصله عن القضاء تلته ملاحقات ومضايقات لا تحصى واجهها ببسالة. كل ذلك جعل الحكمم يدرك اليوم أنه يواجه إرادة قوية، متعددة المشارب، تسعى إلى ارساء سلطة قضائية مستقلة. المنصوص عليها صلب "المبادئ الأساسية للأمم المتحدة المتعلقة باستقلال القضاء". نشر النداء بتوقيع كلثوم كنّو (الكاتب العام للهيئة الشرعية لجمعية القضاة التونسيين) ووسيلة الكعبي (عضو المكتب التنفيذي) وروضة القرافي (عضو المكتب التنفيذي) وليلى بحرية (عضو الهيئة الإدارية) ونورة حمدي باسبوعية "الطريق الجديد" الصادرة في 13 مارس 2009. في "رسالة مفتوحة إلى رئيس الدولة".