تسمية جديدة في وزارة الشؤون الخارجية    وزير الصحة يدعو إلى تسريع إستكمال برامج الرقمنة الصحية    تونس: الأمطار الأخيرة لم تساهم في تحسّن وضعية السدود    الرابطة الأولى: تشكيلة إتحاد بن قردان في مواجهة النادي الصفاقسي    أثار جدلا واسعا..هذه أبرز نقاط مُقترح تعديل القانون الإنتخابي    استعداد الجانب الياباني لمزيد تطويره وتدعيمه لتعزيز التنمية الشاملة والمستدامة في تونس    أمن غذائي: نحو تعزيز آليات الدعم المالي لمنتجي الحبوب    الوسط المدرسي في تونس : 21 ألف حالة عنف سنويا    وزير الشباب والرياضة يحتفي بالرياضيين البارالمبيين.. ويستمع لمشاغلهم    2 أكتوبر: الأرض تشهد كسوفا حلقيا للشمس    الارض تشهد كسوفا حلقيا للشمس يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    الصين تختبر صاروخاً باليستياً عابراً للقارات فوق المحيط الهادي    للمرة الثانية.. نتنياهو يؤجل رحلته إلى نيويورك    هذا موعد انطلاق حصص التعبير المباشر للمترشحين للرئاسية والحوار الشخصي..    شملت الابحاث فيها ايطاليين ورجال أعمال تونسببن : ملف تهريب المرجان امام القطب المالي ...    خلال سنة 2024: هذه كميات المخدرات التي حجزتها الديوانة    حوادث/ 377 مصاب خلال يوم واحد..    أغلب التونسيين في لبنان يعملون كإطارات في قطاعات التعليم العالي والطب والخدمات والسياحة    وزراء الخارجية العرب يحذرون من حرب إقليمية شاملة    اليوم..الارض تشهد كسوفا حلقيا للشمس    تسريع الرقمنة في القطاع الصحي: وزير الصحة يضع خريطة طريق للمشاريع المستقبلية    حالة الطقس اليوم الأربعاء 25 ديسمبر 2024..    أول بلد عربي يستفيد من الخطوة... قطر تنضم للدول التي تعفي الولايات المتحدة مواطنيها من التأشيرة    الأمن، عمليات الترحيل وتجنيس الأجانب... أبرز مقترحات وزير الداخلية الفرنسي الجديد بخصوص الهجرة    المقاتلات الإسرائيلية تشن سلسلة غارات فجرا على جنوب وشرق لبنان    احداث فضاء للمبادرة للوكالة التونسية للتشغيل والعمل المستقل بمنوبة    إسبانيا.. "براد بيت مزيف" يحتال ب360 ألف دولار على امرأتين    قلق في ريال مدريد بسبب إصابة مبابي    من 7 الى غاية 10 أكتوبر القادم ...مدينة ياسمين الحمامات تحتضن مهرجان اوسكار للحلاقة والتجميل !    المتنبي في زمن الانترنات !    قصة قصيدة وشاعرها: قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد ؟    عين دراهم ...من روائع الطبيعة .. زيت القضوم فيه الشفاء ويوفر مداخيل هامة    مرابيحها من تجارة المخدرات والسلاح والتهريب...صفقات مشبوهة تكشف شبكات غسيل الأموال    متابعة تنفيذ توصيات لجنة التراث العالمي باليونسكو الخاصة بملف إدراج جزيرة جربة على لائحة التراث العالمي    30 رجل أعمال في المنتدى الاقتصادي التونسي الصيني المنعقد يومي 23 و24 سبتمبر 2024    من الضروري تطوير مراكز تجميع الحبوب ومراجعة صيغ استغلالها وتوزيعها الجغرافي ورقمنة حلقة التجميع    الشاعر والروائي عبد الجبار العش في ذمة الله    تحديد الاسعار القصوى لبيع البطاطا    رئيس الحكومة: تنظيم النسخة الاولى للمنتدى المتوسطي لازالة الكربون في تونس يعد محطة هامة من اجل تحقيق التنمية المستديمة    حالة الطقس هذه الليلة    وفد من مجلس النواب العراقي يدعو الجانب التونسي إلى تعزيز التبادل التجاري الفلاحي    كأسا رابطة الأبطال والكونفدرالية الافريقية : تأجيل انطلاق مباريات مرحلة المجموعات الى نوفمبر المقبل    كسوف حلقي للشمس يوم 2 أكتوبر 2024 : هل سيشاهده التونسيون ؟    حادثة قتل حلّاق بزغوان: الأمن يحتفظ بصديقه    فتح باب الترشح للمشاركة في الدورة السادسة لأيام قرطاج لفنون العرائس    سحب هذا المضاد الحيوي: هيئة الصيادلة توضّح    سيدي بوعلي.. اصابة 7 اشخاص في تصادم 3 سيارات    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة: برنامج مباريات الجولة الثانية    ضحى العريبي :'' يا تلافز و يا اذاعات تونس معادش تكلموني ...و نظهر وقت نحب أنا ''    بشرى سارة للتونسيين بخصوص هذه المواد الاستهلاكية..    سرقة ''ألماس'' أحمد سعد في ايطاليا    متحور جديد من كورونا ينتشر بسرعة في 15 دولة    وزارة الصحة تجدد على ضرورة إتخاذ التدابير الوقائية لحماية الأطفال من البرونكيوليت.    رفض تأخير توقيت هذه المباراة: التلفزة الوطنية توضح..#خبر_عاجل    الرابطة الاولى - حسام بولعراس يقود مباراة الملعب التونسي ونجم المتلوي ونضال بن لطيف حكما للقاء الاتحاد المنستيري والنجم الساحلي    الجامعة التونسية لكرة القدم تتظلم مما حدث للاتحاد المنستيري في الجزائر    إيقاف أفارقة وتونسي بتهمة الاتّجار بالأشخاص ومسك سلاح ناري    المتحف الوطني بباردو: افتتاح معرض "صلامبو من فلوبار إلى قرطاج"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يتحدث رئيس السلطة وقائد فتح عن المعجزات!
ماجد كيالي
نشر في الشعب يوم 15 - 08 - 2009

لم يكن أبو مازن بحاجة لاستخدام مصطلح «المعجزة» في الكلمة السياسية التي ألقاها أمام مؤتمر فتح السادس في رام الله، حيث اعتبر أن مجرد انعقاد المؤتمر هو معجزة، وأن عقده في بيت لحم معجزة..فالخطاب عن المعجزات بات نافلا، ولا يفيد في العمل السياسي، ولا يليق بأبو مازن، الذي يعتقد بأنه يؤسس لواقعية جديدة في العمل السياسي الفلسطيني (بغض النظر عن توافقنا أو اختلافنا معه بشأنها). وكان الأولى بأبي مازن سرد الحقائق كما هي بدون مواربة إذ تمكن من عقد المؤتمر، بعد عشرين عاما، بسبب توفر عدّة عوامل، ماكان له أن يلجأ بدونها لعقده.
ففي هذه المرحلة، وبعد تجاذبات في اللجنة المركزية (وهي اللجنة القيادية لفتح) تمكن أبو مازن من شد معظم الحبال إلى طرفه، بحيث بات بمثابة نقطة إجماع بين مختلف مراكز القوى في فتح (التي لا تتمتع بهيكلية تنظيمية هرمية). وبديهي فإن أبو مازن تمكن من ذلك بسبب جمعه لرئاسة السلطة والمنظمة وفتح في شخصه، ما جعله الشخص الأقوى في الساحة الفلسطينية. وهو من هذه المواقع بات المتحكم بموارد هذه الساحة، في وضع باتت حركة فتح بمنتسبيها (أو بمتفرغيها) تعتمد على الموارد المتأتية من السلطة (بعد أن ضيّعت مواردها الخاصة). فضلا عن ذلك فإن أبو مازن من مواقعه المذكورة بات يتحكم بتسمية كوادر فتح إلى هذا الموقع أو ذاك في السلطة. وثمة عامل آخر لابد من ذكره وهو يتعلق بخبو الطاقة الكفاحية بين كادرات فتح، بعد أن تبوأت، طوال عقدين من الزمن، مواقع متقدمة في المنظمة والسلطة والمنظمات الشعبية، بكل ماشاب ذلك من علاقات فساد وسلطة وترهل.
هكذا فإن روح القبيلة في فتح تواطأت على ضرورة عقد المؤتمر، وهو ما تم بالطريقة التي تم بها، حيث افتقد المؤتمر لأية معايير تنظيمية في عضوية المشاركين فيه (أضافت اللجنة المركزية 700 عضو دفعة واحدة قبيل المؤتمر أي بمقدار ثلثه!)، كذلك افتقد هذا المؤتمر لأي نقاش سياسي جدي بشأن مراجعة تجربة فتح، وطريقة قيادتها، وأسباب إخفاق خياراتها السياسية، وتراجع دورها، كما بشأن تحديد الخيار السياسي أو البديل الواجب السير فيه، بعد إخفاق خياري المقاومة والتسوية، وبعد انسداد فرص إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع.
أما من حيث العوامل الموضوعية فثمة ظروف ساعدت أبو مازن على عقد المؤتمر السادس للحركة ضمنها توافق النظام العربي على انتشال هذه الحركة من حال الجمود والانهيار والانحسار التي تعيشها، وقطع الطريق على حماس وعدم تمكينها من التصرف كمقررة وحيدة في الشأن الفلسطيني. هكذا تم تمكين أعضاء مؤتمر فتح، من لبنان وسورية والأردن ومصر وغيرها من المشاركة في المؤتمر.
كذلك فعلت حماس الكثير من اجل استعدائها من قبل النظام العربي، بحكم تغليبها وضعها كحركة إسلامية على دورها كحركة وطنية، واحتكامها للعنف والقوة والاحتكار في إدارتها لوضعها في غزة. وهكذا فإن منع حركة حماس لأعضاء مؤتمر فتح من غزة بالمشاركة في المؤتمر صبّ في غير صالحها، وفاقم من ذلك اتخاذها إجراءات قمعية ضدهم، في سابقة فريدة من نوعها في العلاقات الفلسطينية، وفي تاريخ الحركات الوطنية. ولاشك أن هذه الأمور غذّت عصبية فتح، وأسهمت في لملمة أطرافها في مواجهة تغوّل حركة حماس واستبدادها ولاعقلانيتها.
بقي أن نتحدث هنا عن دور العامل الإسرائيلي في التسهيل على فتح عقد مؤتمرها في بيت لحم (تحت حراب الاحتلال)، حيث تسيطر إسرائيل على المداخل والمخارج وعلى حياة الفلسطينيين وسلطتهم. وبديهي فهنا ليس ثمة معجزة البتة ولم يكن أبو مازن بحاجة لهذا الاصطلاح. ومن دون أن يفهم من هذا الكلام بأنه ضد عقد المؤتمر في بيت لحم، فهذا سياق طبيعي بعد انتقال ثقل فتح والحركة الوطنية إلى الداخل، فإن إسرائيل سهلت الأمر على فتح مراهنة منها على التغييرات التي تنتظر حدوثها في فتح، بحيث أن المؤتمر يمكن أن يضفي شرعية، وأن يمنح قوة، لمواقف أبو مازن في الساحة الفلسطينية، بعد انتخابه قائدا لفتح وهذا ماحصل.
في ذات السياق أيضا فإن أبو مازن لم يوفّق تماما في حديثه عن أن حركة فتح لاتقبل القسمة، ذلك أن فتح لا تتمتع بهيكلية تنظيم حزبي هرمي، وهذه نقطة ضعفها وقوتها (من ناحية سلطوية). فهذه الحركة صيغت بشكل يتحكم قائدها، أو بعض قيادييها بها، بحيث أن خروج عضو من أعضائها (وهو ماحصل قبلا وحصل مؤخرا إلى حد ما مع أبو اللطف ومحمد جهاد) لايعني انقسام هذه الحركة. وفي الواقع وإن كانت هذه الحركة لاتنقسم (بمعنى الكلمة) إلا أنها من الناحية العملية تضمحل وتتفسخ وتنحسر مكانتها، وهذا ماكان ينبغي على أبو مازن ومؤتمر فتح الانتباه إليه، ومناقشته ووضع حد له، بدل التغني بروح عصبوية: «أنا ابن فتح ماهتفت لغيرها»..»وغلابة يافتح» ..! فأين كانت فتح وأين صارت؟ ومن المسؤول؟
وفي هذا السياق يجب التنويه بواقع عدم اعتبار فتح حركة أيدلوجية. ذلك أن هذا التوصيف يساق هنا لتبرير غياب الهوية السياسية عن فتح، ونحن هنا نتحدث عن هوية سياسية وليس أيدلوجية. وبهذه الطريقة فإن قيادة فتح تحاول التهرب من الإجابة على الأسئلة السياسية المطروحة على الساحة الفلسطينية، وتترك لنفسها حرية الحركة، وأخذ فتح إلى المسار الذي تريد. وكانت قيادة فتح انتقلت من توسل الكفاح المسلح لتحقيق هدف لتحرير إلى برنامج السلطة الفلسطينية (1974) من دون نقاش داخلي، ومن دون مؤتمر ومن دون مساءلة من قواعد فتح. وحصل ذات الأمر بعقد اتفاق أوسلو، ثم عادت الحركة وانتقلت (في بعض قطاعاتها) إلى المقاومة المسلحة والعمليات الاستشهادية (20012003)، ثم عاودت طريق المفاوضة (بعد رحيل عرفات أواخر/2004) باعتبارها طريقا وحيدا. وها هو أبو مازن يتحدث اليوم عن المقاومة وفق الشرعية والقانون الدوليين وهكذا. وبغض النظر عن التوافق أو التعارض مع هذا الكلام، ومع كل التغيرات الحاصلة،، فإن قيادة فتح تحاول التورية على طريقها، وحجب الحقائق، واستخدام شعارات ومقولات متناقضة لتمرير المؤتمر، وفرض الطريق الذي تريد، دون أن توضح ذلك مباشرة، لقاعدتها، فهي لاترى أن ذلك ضروريا لها، بمعنى أن علاقة القيادة مع القاعدة هي علاقة توظيفية استخدامية، وليست علاقة تفاعلية وتداولية.
وما نقصده مما تقدم التوضيح بأن طبيعة هذه الحركة، وغياب النقاش السياسي داخلها، وعدم وجود حياة تنظيمية بين أطرافها، تسهل على قيادة الحركة فرض الطريق الذي تريد. وقد أثبتت التجربة بأن معظم فتح تتحرك بروح القبيلة، حيث يمكن أن تكون مع الكفاح المسلح حينا ومع المفاوضة حينا، ومع التحرير حينا ومع دولة في الضفة والقطاع حينا آخر، ومع أبو عمار ضد أبو مازن، ومع أبو مازن ضد غيره. بمعنى أنه لو لم يستطع أبو مازن تجميع الأوراق في طرفه، لأجمعت فتح على غيره، سواء كان أبو ماهر أو أبو لطف أو الطيب عبد الرحيم أو حتى دحلانّ!
ومن ذلك يبدو إننا نشهد في هذه المرحلة تأسيسا ثانيا لحركة فتح، أي فتح مغايرة، أكثر مما نشهد تجديدا وتطويرا لهذه الحركة، التي حملت على عاتقها قيادة النضال الفلسطيني، طوال المرحلة الماضية، بما له وما عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.