تعتبر جهة هندي الزيتونة الذّريعات سيسب ودار الجمعيّة والسبيخة وماجاورها من الأراضي للزّراعات الكبرى بمنطقة الوسط والساحل. إذ عرفت هذه الأراضي الخصبة بغزارة إنتاجها للحبوب عامة والقمح خاصة ومشتقاته من الأعلاف، واعتبرت السلّة الثانية لقوت التونسي بعد أراضي الشمال وبها رُشّحت تونس بجدارة لتحمل منذ غابر الأزمان اسم «مطمورة روما» هذه الأراضي الشاسعة تعود ملكيتها منذ قرون إلى فلاحين ومُلاك من ولايات الوسط والساحل.. وهي في حد ذاتها مخزن لغذاء الانسان والحيوان. وشفعت بعد الانفتاح بانتشار بؤر الزراعات المعملية التصديرية مثل طماطم «العصير، والفراولو، والفلفل «العوالي» وغيره.. وكثرت المضاربات حول هذه الأراضي من الرأس المال الأجنبي والمحلي، وفتحت سوق نخاسة حول الفلاح البسيط وإغرائه بالمال لانتزاع أرضه، وقد استعمل نتيجة لتشتت الملكية وقسمتها بين الورثة عن طريق التراضي، قانون الشراء على الشياع، وهو القانون الغريب الذي أثار فتنة بين أفراد الأسرة الواحدة ومكن الشاري الدخيل بعد شراء منابات من الأرض لوضع يده على بقية الإرث ممّا دفع الناس إلى ساحة المحاكم أو النزوح إلى المدن.. وهو قانون يتضارب مع تطور البلاد والعباد، ويشبه إلى حدّ بعيد فقه زواج المتعة. وطبق هذا التوجه الذي صيغ من لدن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونصح به الدول الفقيرة وشجعها.. على هذا النوع من الزراعات التصديرية والشراكة والانفتاح على الرأس المال الأجنبي وملكيته للأرض بهذه الأصقاع، من هذه الثغرة تقلصت مساحات زراعة الحبوب وثقافتها الشعبية وحسها الوطني، وحل محلها اقتصاد البقالة والعطارة... وأفضت إلى أزمة الغذاء العالمي وضحاياه من طوابير الفقر والجوع الاضطراري وعبر هذه الكوّة بُليت بانتزاع أرضي، هي إرث تاريخي عن أجدادي اثر شراء أحد سماسرة الأرض الجدد منابات أخوتي على الشياع بعيد وفاة الوالد عن طريق الوعد بالبيع مع تسبقة زهيدة على ثمن الأرض، تمّ ذلك دون علم منّي ومعرفتي للشاري أو حتى رؤية وجهه ومن ثم شرع في قلب الأرض وحرثها وتفجير البئر الأولى بالاستعانة بحفارة وزارة الفلاحة فأسرعت بالتنبيه عليه بواسطة عدل منفذ وطالبته برفع يده عن الأرض، وحملته المسؤولية القانونية في منعي من زرع منابي قمحا والانتفاع به وحذرته من جريمة امتصاص خصوبتها ومائدتها المائية في زراعة تفضي بها إلى التصحر وملوحية المياه.. وطبق هذه القناعة توجهت إلى الإدارة المحلية للفلاحة بالمكان وطلبت من المهندس المشرف على الحفارة وعملية المساعدة على تفجير المياه، بسحب حفارته والكف عن الاعتداء على ملك مساحته 12 هك وحاولت إقناعه بأنّ مثل هذا العمل يتجسّم فيه الاعتداء على الملكية الخاصة والنيل من حرمتها والدوس على حق المواطن في بعده الإنساني المدني وحرمة ذاتيته الفردية والجماعية وما يملك وما يحمل من أفكار، فوعدني بسحب هذه الحفارة في الحال ولكن ما راعني الاّ أن شفعت البئر الأولى بحفر بئر ثانية عندها راسلت المندوبية الجهوية للفلاحة بولاية القيروان ومعتمد السبيخة طالبا منهما كفّ الأذى عنّي ورفعت قضية في الغرض الى السيد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بالقيروان رُسّمت تحت عدد 12205 وصدر اذن للبحث طبق العريضة وإن تمّ البحث الأولي في الحرس الوطني بدار الجمعية، فقد علق الآن في مرحلته الثانية بين وكالتي الجمهورية في كل من القيروان وسوسة وطالت مدّته... وإذ تمّت عملية الاستحواذ على الأرض بسرعة الأرنب فإنّ تحرّك القضية يسير بخطو السلحفاة.. وحين وقفت على مشارف أرضنا التي سلبت منّا وحُوّلت من زراعة القمح والحبوب إلى زراعة الطماطم: العصير، والتصدير بتمويل أجنبي وما صاحبه من مشاكل: لقد شاهدت مساحات شاسعة من القمح تصفر وتموت من العطش وبعضها أطلقت عليها الأغنام لرعيها بينما الماء يتدفق من الآبار التي حفرت بغزارة نظرا لقرب المائدة المائية بهذه الجهة.. لري مشاتل الطماطم فقلت في نفسي انّه لأمر غريب ومريب.. ومثير للإحباط والألم.. نظرا لأنّ هذه الحادثة تزامنت في توقيتها مع موجة أزمة الغذاء العالمي، والتهاب أسعار الغذاء والحبوب عالميا ثلاث مرّات عن سعرها السابق وبروز طوابير الجياع والفقراء في الدول المتخلفة وهي الصورة والدلالة المفجعة التي شاهدناها في مصر وعديد الدول التي سقطت في فخّ التبعيّة وانّ النيل من أرضنا بجهة الذّريعات من معتمدية السّبيخة ولاية القيروان وتحويلها من زراعة القمح الصلب إلى زراعة طماطم العصير يعتبر أجحافا في حق الوطن قبل المواطن. الأستاذ : الهاشمي الأكحل عضو سابق بمكتب الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة كاتب وناقد وعضو سابق في هيئة فرع رابطة حقوق الانسان بسوسة