بإشراف قسم التكوين النقابي والتثقيف العمالي وبالتنسيق مع الاتحاد الجهوي للشغل ببنزرت التأمت يومي 18 و19 سبتمبر 2006 ندوة تكوينية حول «الأشكال اللانمطية للعمل» واكب أشغالها 32 مشاركة ومشاركا من مختلف النقابات الأساسية بالجهة أبرز ما يميزهم بالإضافة إلى الانتماء للقطاع الخاص كثافة العنصر النسائي وحداثة أغلبهم بالعمل النقابي مما يدعم أهداف الندوة الأساسية وهي التوجه الفعلي نحو المرأة والشباب باعتبارهما الشريحتين الأكثر تضرّرا من هذه الأنماط الشغلية اللانمطية. افتتح الأخ عبد الرزاق البجاوي الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل ببنزرت أشغال الندوة مثمنا القفزة النوعية التي شهدها التكوين النقابي في الفترة الراهنة حيث توصل إلى بناء منظومة تكوينية متكاملة متطورة استطاعت أن تجعل من التكوين النقابي رافدا مهمّا من روافد النضال في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل وأن تمس أوسع شرائح الطبقة العاملة في القطر بل وتتحول إلى تجربة رائدة مشعّة على المستويين العربي والإفريقي مبينا في الآن نفسه عزم الاتحاد الجهوي للشغل ببنزرت على مواصلة دعم هذا التمشي ومعاضدته بما ينجزه من برامج جهوية هدفها النهوض بوعي العمال وتمكينهم من آليات عمل علمية ورؤية استراتيجية واضحة. ثم أحيلت الكلمة إلى الأخ عبيد البريكي الأمين العام المساعد المكلف بالتكوين النقابي والتثقيف العمالي ليؤكد على التناغم بين مجهودات القسم المركزي ومجهودات الاتحاد الجهوي للشغل ببنزرت مثنيا على ما يقوم به هذا الأخير من جهد تكويني وتثقيفي بارز يصب في النهاية في نفس التوجه الذي اختاره الاتحاد العام التونسي للشغل وهو تسليح الطبقة الشغيلة بأقصى أدوات المعرفة والدراية التي تمكنها من مواجهة واقعها والتصدي للحملة الشرسة التي يتعرض لها العمل النقابي والهادفة إلى التشكيك في جدواه وفاعليته من أجل تمرير جملة من البرامج وتحقيق أهداف لا غاية من ورائها غير ضرب الطبقة الشغيلة وتدجينها لينفرد رأس المال بالهيمنة والمكاسب وهو ما يجعل الاستثمار في المعرفة حاجة حيوية من أجل تمكين العمال من آليات فعالة تجعلهم قادرين على الصمود والمواجهة وحماية مكاسبهم الحاصلة وفق منظومة متكاملة تستجيب إلى حاجياتهم الفعلية. تفاوض وتفاعل بعد ذلك مباشرة أخذ الكلمة الأستاذ حسين الديماسي أستاذ الاقتصاد بجامعة الوسط الذي ركز في مداخلته على التحولات الاقتصادية الدولية وتأثيراتها في العلاقات الشغلية مبينا أهم المراحل التي مرّت بها هذه العلاقات على امتداد القرن الفارط في البلدان الإمبريالية المهيمنة على اقتصاديات العالم والتي سمّاها المحاضر بالبلدان القاطرة لتنتقل من مرحلة التصادم بين العمّال وأصحاب رأس المال التي استمرّت إلى حدود منتصف القرن نظرا لما كانت تعانيه المنظومة الرأسمالية من ركود اقتصادي ومن غياب للربح في الإنتاجية إلى مرحلة جديدة ميّزت الفترة المعروفة بالثلاثينية المجيدة وهي مرحلة خفتت فيها حدّة التناقضات بين الطرفين مما جعلهما يركنان إلى وضعية التفاوض والتفاعل عوضا عن وضعية التصادم السابقة وقد تداخلت عوامل مختلفة لتسم المرحلة بميسمها ذاك من أهمها ما أفرزته الحرب الإمبريالية الثانية من ظهور عالم القطبين وبروز نقابات قويّة كانت لها مساهمات فعّالة في مقاومة النازيّة والفاشيّة ممّا أهّلها إلى أن تكون طرفا ذا شأن على المستويين السياسي والاجتماعي وخاصة تفشي التقسيم الفني للعمل المعروف باسم التايلوفوردية والذي أدى إلى ربح وفير في الإنتاجية وهو ما سمح للأعراف والعمال بمتنفس أبعد عنهما شبح الصدام ومكّن من تحسين القدرة الشرائية للعمال وما انجر عنه من زيادة الطلب الذي مكّن بدوره الأعراف من قدرة على توسيع المشاريع وتطويرها. لكن مع أواسط السبعينات تأزمت الأوضاع من جديد نتيجة مواصلة النقابات الاعتماد على نفس سياستها المطلبية السابقة في ظل تراجع نسبة النموّ إلى مستويات دنيا قياسية واقتران ذلك بأزمة البترول الشهيرة ممّا أدى إلى وضعية تضخم مالي خانقة دفعت الأعراف إلى انتهاج مسلكين متوازيين يقوم الأول على تصدير مواطن الإنتاج نحو البلدان قليلة الكلفة فيما يقوم الثاني على استثمار مالي مهول في مجال الأبحاث العلميّة مما أدى إلى ثورة تكنولوجية رقمية هائلة حدّثت وسائل الإنتاج وقللت الحاجة إلى اليد العاملة فساد منذ أواسط الثمانينات نظام الإنتاج القائم على الروبوتية ( le robotisme ) مثل ( les machines à commande numérique ) ( les systèmes assistés par ordinateur ) ففقدت قوّة العمل مكانتها واستشرت البطالة وتحوّل ميزان القوى لصالح الأعراف الذين تفننوا في ابتداع أشكال جديدة من العلاقات الشغلية التي نطلق عليها اليوم مصطلح الأشكال اللانمطية للعمل كالعمل بعقود محدودة المدة أو العمل لوقت جزئي أو العمل في المنازل وخاصة اللجوء إلى المناولة أو بالأحرى السمسرة باليد العاملة والتي تعتبر عودة بالعلاقات الشغلية إلى عهود الاستعباد والاستغلال السحيقة.وقد أدى كل ذلك إلى مأزق إشكالي تمثّل في فقدان النقابات قواها لتقلص عدد منخرطيها وبالتالي فقدان العمّال القوّة الكفيلة بالدفاع عن مصالحهم وحمايتهم من الاضطهاد المسلط عليهم. وهو ما يطرح على المنظمات النقابية تحديات رهيبة لمواجهة واقع تبدو آفاقه شديدة السواد واقع لم يعد المطلوب فيه تحسين شروط العمل بل مجرّد الحفاظ على مواطن الشغل إن توفرت فرصه أصلا. تقلص موارد الدولة وقد كانت المداخلة مقدمة لنقاش ثريّ أظهر تحسس المشاركات والمشاركين للواقع المأسوي الراهن الذي تعيشه الطبقة الشغيلة وقد تركّز النقاش أساسا على بيان استشراء ظاهرة هشاشة التشغيل لتمسّ القطاع العمومي ذاته لتصبح الدولة نفسها من مكرسي هذه الأنماط الشغلية اللانمطية بالإضافة إلى انعكاساتها الوخيمة على مستقبل الصناديق الاجتماعية التي أضحت على شفا الإفلاس نظرا لتقلص مواردها بتقلص عدد العمّال المساهمين فيها كما أبرز النقاش كذلك عمق استهداف شريحتي المرأة والشباب باعتبارهما أكبر المتضررين من هذه الظاهرة ومعاناتهما المريرة منها لينصب الاهتمام أخيرا على التأكيد على حتميّة البحث عن بدائل خلاص ممكنة والدعوة إلى ضرورة انخراط جميع مكونات المجتمع بما فيها الأكاديميين والنقابات ومنظمات المجتمع المدني في وضع استراتيجية المواجهة واستشراف آفاق التجاوز إذ لا صاد للعولمة الراهنة القائمة على الاستغلال والاضطهاد إلا عولمة بديلة عولمة مناضلة بدأت مؤشراتها تظهر من خلال الحركية التي يشهدها العالم اليوم والتي تتجلى في عودة التيار اليساري إلى الركح السياسي في أوروبا وأمريكا اللاتينية واشتداد عود حركات الرفض الدالة على عزم الطبقات الشعبية المضطهدة على رفع راية التحدي وعدم قبولها بواقع الهزيمة الذي يراد فرضه عليها قهرا وقسرا. وإثر هذه المداخلة التأطيرية رفعت أشغال الجلسة الصباحية لتتواصل أشغال الندوة مساء اليوم الأول وصبيحة اليوم الثاني مع ست ورشات عمل تداول فيها المشاركات والمشاركون عددا كبيرا من المسائل لا يسمح المجال بنشرها كاملة. ورشات ونقاشات فقد بحثت الورشة الاولى دور المسؤول النقابي في تعزيز الانتساب الى الاتحاد العام التونسي للشغل ونشطها الاخ أحمد المهوّك وقرر لها الاخ علي الدريدي، وبحثت الورشة الثانية المفاوضة الجماعية بتنشيط من الاخ نوار المعلمي وتقرير للاخ سليم الزديني، ومن جهتها بحثت الورشة الثالثة احاطة الممثل النقابي بالشغالين داخل المؤسسة ونشطها الاخ عبد الله بن سعد فيما قررت لها الاخت سميرة السويحلي، فيما بحثت الورشة الرابعة التي نشطها الاخ عبيد البريكي وقرر لها الاخ نوار المعلمي، الاشكال الهشة للتشغيل. اما العمل النقابي في ظل هيمنة العمل الوقتي فكان موضوع بحث الورشة الخامسة التي نشطها الاخ حسن الودرني وقرر لها الاخ سليم الزديني. اما الورشة السادسة والاخيرة فقد بحثت العمل في القطاع غير المنظم والحقوق الاساسية للعمال بتنشيط من الاخ محمد المسلمي وتقرير الاخ علي الدريدي. كانت الجلسة الختامية فرصة للمشاركات والمشاركين ليعبروا عن عميق امتنانهم لما أتاحه لهم الاتحاد الجهوي ببنزرت بالتنسيق مع قسم التكوين من فرصة لتعميق اطلاعهم واثراء زادهم المعرفي والتكويني من خلال ما واكبوه من اشغال هذه الندوة التي تميزت وحداتها بالثراء من جهة وباتصالها الوثيق بهمومهم اليومية ومشاغلهم الحينية اضافة الى تعرضها الى واقع العمال المباشر وما تشهده الساحة من تحولات عميقة مثمنين المجهودات المبذولة من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل للاحاطة بالطبقة الشغيلة والرفع من مستوى وعييها راجين من الاتحاد الجهوي والقسم المركزي تكثيف مثل هذه الندوات لما لها من اثار ايجابية لا تنكر. ثم اخذ الكلمة الاخ عبد الرزاق البجاوي الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل ببنزرت ليبين ان هذه الندوة جاءت في سياق المجهودات اليومية التي يبذلها الاتحاد الجهوي للاحاطة بعاملات الجهة وعمالها وتهيئتهم لمواجهة الواقع النقابي المتحرك خاصة في ظل التحولات العميقة التي يشهدها الواقع اليوم وما يتعرض له العمل النقابي من صعوبات ناجمة اساسا عن الهجمة الشرسة التي تشنها الامبريالية على مكتسبات العمال وسعيها الى ازاحة النقابات من طريقها حتى يخلوا لها جو استعبادهم واسترقاقهم موجها في الختام تقديره لقسم التكوين النقابي والتثقيف العمالي لما حققه من نقلة نوعية اسهمت فعلا في الرفع من مستوى النقابيات والنقابيين وتسليحهم بما يلزم من أدوات النضال والمواجهة. اما الاخ عبيد البريكي الامين العام المساعد المكلف بالتكوين النقابي والتثقيف العمالي فقد ذكّر الحاضرات والحاضرين بما يتعرض له العمل النقابي اليوم من هجمة لم يعرف لها مثيلا من قبل القوى المعادية للطبقة الشغيلة وهو ما يطرح على عاتق النقابيات والنقابيين مسؤوليات جسيمة تتطلب منهم الاستعداد الجيد لمجابهتها وهو ما لا يتأتى لها الا اذا تسلحت بما يكفي من معرفة وقدرة على تشخيص الواقع تشخيصا علميا بالاضافة الى الاستعداد للنضال والتضحية مبرزا ان الاتحاد العام التونسي للشغل سيظل دوما قلعة نضالية صامدة لا هم لها الا الدفاع عن مصالح العمال ومكتسباتهم مهما كانت الصعوبات والعراقيل غير ملقية بالا الى ما يروجه عنها اعداء العمال من اقاويل باطلة وما يزرعونه في طريقها من اشواك وما يضعونه من عقبات وهو ما يترجم يوميا على ارض الواقع سواء في شكل نضالات ميدانية او في شكل سعي دؤوب الى احتضان العمال والاحاطة بهم وما هذه الندوة الا شكل من اشكال التواصل اليومي مع القواعد العمالية من اجل الرفع من مستواها الفكري والمعرفي وتعميق وعيها ليكون لها ذلك خير سلاح في مسيرتها النضالية الطويلة والشاقة مبديا ثقته العميقة في ان يظل عاملات الجهة وعمالها كما كانوا دوما في طليعة المتعلقين بالمنظمة وبمبادئها لايمانهم الراسخ بدورها في الذود عنهم وعن مصالحهم وما تخوضه من نضال مشرف لصد ما يطمح اليه اعداء العمال.