كانت الساعة حوالي الثانية بعد منتصف الليل عندما سمعت امي توقظني بصوت قوي وتحاول ان ترفع الغطاء عن وجهي بشيء من العنف مما جعلني اظن ان حالة الكوابيس التي دابت على افتراسي قد عادت الي....ارتعدت جسمي...واصطكت اسناني ...وكساني العرق...وفركت عيني وشعري...ونظرت حولي..واذا بي اجد امي في حالة اضطراب وقلق وخوف.. وقبل ان تتكلم بادرتها بالسؤال(اميمتي ماهو لاباس ...اش ثمة يعيشك)...ردت..(قوم اجري برة لوج على بوك ..ماجاش والفجر قريب يجي) طمانتها .وخرجت بسرعة لابحث عنه لا خوفا عليه ولكن لاطمئن الوالدة القلقة دائما..الخائفة دائما..المسكونة بالرعب دائما..ووالدي الذي يحلو لي دائما بان اناديه باسمه وهو ابرهيم ..(فاتربج به واقول له برهوم..او عم ابراهيم.)...اما عندما اقول له الحاج ابراهيم فانه يغضب ..ويسبني..ويقول لي(يازفت..حجيت انا وياك)..وكثيرا ما تتدخل الوالدة لتطيب خاطره فتقول له (ربي يهديك ..وتزور بيت ربي..وتعمل حجة ان شاء الله يقبلها ربي منك)...فيغضب اكثر ..ويهرب من البيت وهو يسب ويلعن...) اوقفت تاكسي وطلبت منه ان ياخذني الى حلق الوادي...لقد قدرت انه يواصل سهرته اليومية في بار النجوم مع خلانه وتوقعت ان اجده كالعادة مع الدبوزة والكاس..وعنما وصلنا رجوت السائق ان ينتظرني لحظات فابتسم ابتسامة خبيثة ..وفوجئت بان البار مغلق وامام بابه يجلس برهوم على الارض...لم اصدق...ولكنني تاكدت من انه برهوم بالفعل..وما ان لمحني حتى نهض وهو يتمايل..ويكاد ان يسقط..ويحاول ان يسند ظهره لباب البار..واقترب مني بصعوبة ليقول لي(اش جاي تعمل هنا يا سي الشباب..والا قللي حتى انت كنت تسكر كيفي). ولما قلت له انني جئت للبحث عنه ضحك وقال (فاش قام).. اخذته من يده واتجهت به نحو التاكسي وهو يغني (اللي تعدى وفات زعمة يرجع)...ثم يتوقف عن الغناء ليقول (الله لا ترجعو...فاش قام نعاودو في المساطة..والبهامة..والطحين..)...وكان سائق التاكسي يضحك ويعلق(والله هاو اسماعيل ياسين على حالو.) ومنذ تلك الليلة فهمت ان برهوم الرجل القوي بدا يضعف...جسمه يتراجع..وكل مافيه اخذ يتراجع...واقتنعت ان (كل قوة للضعف ترجع)..وان برهوم المخيف ..الباندي..الذي كان الموت يخافه..ولايقترب منه .(اخذ الدورة)..وليلتها فهمت ان الزهايمر بدا في التسلل اليه(شوية..شوية) لقد اعترف لي بعد ان نزلنا من التاكسي انه عندما اكمل سهرته وغادر البار نسي عنوان البيت ..واسم حومته.. وكانت تلك المرة من المرات القليلة التي اشفق فيها على عم ابراهيم..والحقيقة ان امي هي التي كانت تثير شفقتي الى حد البكاء..اما هو فان قساوته كانت تمنعني من ان الشفقة عليه