تعمل وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة على إعداد مشروع قانون ستتقدّم به حكومة يوسف الشاهد يهدف إلى التسريح الطوعي للموظفين. وفق ما أعلنه عبيد البريكي وزير الوظيفة العمومية والحوكمة على هامش اختتام الاستشارة الوطنية حول مشروع الإستراتيجية الوطنية لتحديث الإدارة يوم الاثنين الماضي. يأتي هذا القرار مقابل تراجع النقاش بخصوص مشروع تنقيح قانون التقاعد في القطاع العام، بهدف التمديد في سن التقاعد، الذي لم يعد يتمتع بأولوية بالنسبة لحكومة يوسف الشاهد،.. على الأقل خلال السنتين المقبلتين. وكان عبيد البريكي قد أكد في تصريح صحفي ان التقليص في عدد الموظفين لن يكون بقرار حكومي بل باختيار من الموظفين على قاعدة مقترحات ستتقدم بها الحكومة وستكون محل تشاور مع الاتحاد العام التونسي للشغل. ويضمّ مقترح التقليص في عدد الموظفين العموميين مسألتين، الأولى تخص التقاعد المبكر الاختياري، فيما تهمّ المسألة الثانية كل الموظفين وهي تمكينهم من أجرة سنتين كاملتين والتدخل لدى البنوك من أجل تيسير حصولهم على قرض إضافي لبعث مشاريع خاصة. من الواضح أن الحكومة لم تعد متحمسة لآلية الترفيع في سن التقاعد حاليا بسبب ضغوطات المالية العمومية التي تدفعها نحو تجميد هذا الخيار حاليا لتعارضه مع التوجهات العامة للميزانية للسنوات المقبلة ( حسب الاتفاق الممضى مع صندوق النقد الدولي خاصة في ما يتعلق بالتزام تونس التخفيض في كتلة الأجور من 14 إلى 12 بالمائة سنة 2020) التي تقتضي حاليا اعتماد آلية التخفيض في عدد الموظفين وتجميد الأجور والتقليص من الامتيازات ولم لا التفكير مستقبلا في التخفيض في نسبة جرايات التقاعد.. أكثر من ذلك هناك توجه حكومي لعدم اعتماد آلية التمديد في سن التقاعد عبر منشور أصدره رئيس الحكومة ينص على عدم قانونية التمديد في سن التقاعد لدى الموظفين والإطارات العليا للدولة، كما وضعت برنامجا لإيقاف نزيف العجز المالي للصناديق الاجتماعية من خلال ضخ 500 مليون دينار لصندوق التقاعد، وحث صندوق الضمان الاجتماعي على استرجاع أمواله وديونه المتراكمة لدى المؤسسات العمومية والخاصة.. يذكر أن قانون ميزانية الدولة لسنة 2017 اقر عدم اللجوء إلى تعويض المحالين على التقاعد الذين يبلغ عددهم 11249 موظفا. حلول مؤقتة رصد الدولة في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة 500 مليون دينار لفائدة الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية لمجابهة الصعوبات المالية التي يتعرض لها الصندوق، يقيم دليلا على أن حسم النقاش بخصوص إصلاح أنظمة التقاعد لن يتم خلال السنة المقبلة وقد يتم تأجيله إلى ما بعد 2019 نظرا لتباين المواقف بين الحكومة واتحاد الشغل، وبسبب عدم نجاعة هذا الإجراء في الوقت الحالي.. أكثر من 15 ألف موظف معنيون بالتسريح الطوعي يقدر عدد المحالين على التقاعد المتوقع خلال سنة 2018 بأكثر من 15 ألف موظف، علما أن التوقعات تشير إلى أن عدد المتقاعدين خلال سنوات 2017 و2018 و2019 قد يصل إلى أكثر من 50 ألف متقاعد من جميع أسلاك الوظيفة العمومية دون احتساب المتقاعدين من القطاع العام. وفي صورة اعتماد خيار التسريح الطوعي للموظفين، قبل بلوغ سن التقاعد بثلاث سنوات على الأقل، يتوقع أن ينتفع من الإجراء قرابة 30 ألف موظف سنويا، بمعنى نظري يمكن أن يصل عدد المحالين على التقاعد إجمالا حتى سنة 2020 قرابة 120 ألف موظف.. انعكاسات سلبية على الصناديق الاجتماعية لكن هذا الخيار قد يعود بالوبال على التوازنات المالية لصندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية المنخرمة أصلا علما أن عجز الصندوق بلغ خلال الثلاث سنوات الأخيرة ألف مليار دينار، ويتوقع وصوله إلى 4600 مليار دينار سنة 2020. ويرى مختصون أن أسباب هذا العجز تتمثل في ارتفاع أعداد المنخرطين المُحالين على التقاعد المبكّر، وارتفاع أمل الحياة عند الولادة ليبلغ 74 سنة وهو بقدر ما يمثّل مؤشرًا إيجابيًا بقدر ما يثقل الأعباء المالية للصناديق الاجتماعية مع ارتفاع نسبة التهرّم السكاني، فضلا عن عدم تسديد عديد الوزارات مساهماتها في الصندوق. مخاطر إفراغ الإدارة من كوادرها من جهة أخرى، هناك سلبية خطيرة قد تطفو على السطح بسبب إمكانية إفراغ الإدارة التونسية من كوادرها في صورة إقبال الموظفين الكبار والسامين للدولة على الخروج الطوعي من الوظيفة العمومية من خلال إما التقاعد المبكر أو المغادرة مع التمتع بامتيازات إقامة مشروع وسنتين مدفوعة الأجر.. علما أن عدة هياكل عمومية يسيرها أكفاء تعتبر الآن من خيرة الإدارة التونسية بل من أعمدتها الأساسية، وبالتالي فإن خطر حصول ارتباك في التسيير والأداء والمحافظة على معايير الجودة والإنتاجية في الإدارة التونسية سيظل قائما.. حل التقاعد الاختياري التسريح الطوعي للموظفين ليس بالآلية الجديدة، فقد سبق اعتمادها من الإدارة التونسية في العهد السابق، آخرها كان سنة 2010 حين صادق البرلمان على قانون التقاعد الاختياري للموظفين استهدف 7 آلاف موظف. وكان الهدف من الإجراء إتاحة الفرصة لما لا يقل عن 7 آلاف شاب من حاملي الشهائد العليا بالحصول على وظيفة في المؤسسات الحكومية.. وشمل القانون الموظفين الذين لا تفصلهم عن سن التقاعد القانوني إلا 3 أعوام.. كان الهدف من القانون تمكين الأعوان العموميين الراغبين في الإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية لاعتبارات اجتماعية أو صحية والذين لا تخول لهم المقاييس المعمول بها حاليا الانتفاع بالتقاعد قبل بلوغ هذه السن. ومن شروط التمتع بالإحالة على التقاعد المبكر الاستثنائي أن تتوفر في العون العمومي أقدمية دنيا من العمل الفعلي ب 15سنة على الأقل و3 سنوات على الأقصى لبلوغ السن القانونية للتقاعد. خلال الفترة الممتدة من أول جانفي 2010 إلى 31 ديسمبر 2012 والمنخرطين بالصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية. إيقاف الانتدابات وعدم تعويض المتقاعدين في سياق متصل، أقرّت ميزانية الدولة لسنة 2017 تجميد الحكومة الانتدابات في القطاع العمومي باستثناء خريجي مدارس التكوين وعدم اللجوء إلى تعويض المحالين على التقاعد خلال نفس السنة. كما سيتم إيقاف العمل بتعويض الشغورات المسجلة خلال السنة في الوظيفة العمومية بسبب التقاعد أو الاستقالة أو الوفاة أو الإلحاق. مقابل تغطية الحاجيات المتأكدة بإعادة توظيف الموارد البشرية المتوفرة سواء بين البرامج العمومية والهياكل الوزارية أو بين الجهات. وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد اتخذ إجراءات تتعلق بالالتزام بالقواعد المنظمة لمواصلة الأعوان العموميين للعمل بعد بلوغ سن التقاعد وضرورة إتباع الإدارات العمومية مجموعة من الإجراءات بهدف ترشيد اللجوء إلى هذا الإجراء الاستثنائي. وتضمن المنشور عدد 16 المؤرخ في 12 أكتوبر 2016 الصادر عن رئيس الحكومة والموجه إلى الوزراء وكتاب الدولة والولاة، الاقتصار على الإطارات العليا صعبة التعويض عند اللجوء إلى الإبقاء بحالة مباشرة بعد بلوغ سن التقاعد مع طلب ترخيص مسبق من مصالح رئاسة الحكومة في الغرض قبل تقديم مشروع الأمر الحكومي المتعلق بالتمديد كما تضمن ذات المنشور عدم السماح للأعوان بمواصلة العمل بعد بلوغ السن القانونية للتقاعد لأي سبب من الأسباب طالما لم ينشر الأمر الحكومي المتعلق بالإبقاء بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية. رفيق بن عبد الله الصباح الاسبوغي بتاريخ 23 جانفي 2017