مع تزامن ارتفاع أسعار الحبوب في السوق العالمية والنفط وانخفاض أسعار الدولار وبوادر ركود اقتصادي في الولاياتالمتحدة بدأت موجة من الغلاء تجتاح معظم البلدان وتحديدا البلدان النامية حيث قفزت أسعار المحروقات والمواد الغذائية إلى مستويات قياسية بل وصل الأمر في دولة عربية إلى تسجيل أزمة في الخبز مما يطرح تساؤلات حول ما يخبئه المستقبل لعديد الشعوب. كل هذه المؤشرات تحمل في طياتها بوادر أزمة اقتصادية عالمية قد تكون الأولى في شدتها منذ انتهاء الحرب الباردة وخروج المعسكر الرأسمالي فائزا ومبشرا باعتماد كل بلدان العالم نظام اقتصاد السوق وفي خضم الإصلاحات الاقتصادية وإعادة الهيكلة بدأت صورة الدولة الراعية تتآكل بنسق سريع ليصبح التضامن الاجتماعي مفهوما ثانويا بعد أن كان مبدأ جوهريا صلب المجتمعات. كما ساعدت العولمة في إعطاء الشركات العابرة للقارات دورا رئيسيا في الاقتصاد العالمي أدى إلى بروز ظاهرة ابتلاع الشركات الكبرى للشركات الصغرى مع ما يعنيه ذلك من عمليات تسريح للعمال ونزاعات اجتماعية وبالتالي ازداد الجشع من قبل البلدان الكبرى ليصل إلى حد إشعال فتيل حروب لا تهدف سوى إلى مزيد الهيمنة والسيطرة على ثروات الشعوب. ورغم ما يشاع دوما من أن الأزمات الاقتصادية تؤثر بالسلب على مواطني البلدان المتقدمة فإن الواقع يفند ذلك باعتبار أنه رغم الأزمات السابقة لم تشهد تلك البلدان مجاعات ولم تظهر طوابير لاقتناء المواد الغذائية خلافا للبلدان النامية التي سرعان ما تتأثر اقتصاديتها الهشة بالأزمات الاقتصادية. ولا شك أن ما يتوقع من أزمات بالنظر إلى ما يشهده العالم من غلاء يجعل المراقبين متشائمين جدا وفي هذه المرة قد تتأثر البلدان المتقدمة من جراء موجة الغلاء التي لن تدفع ثمنها سوى الشعوب وقد تؤدي في عديد مناطق العالم إلى اضطرابات اجتماعية تهدد الاستقرار . إنه لا خيار أمام بلدان العالم اليوم إلا التضامن فالتصرفات الأنانية لا يمكن إلا أن تؤدي إلى إلحاق الأذى بعدد كبير من البلدان التي لا تقدر على درء المخاطر ولا تملك قاعدة اقتصادية صلبة،، فالمطلوب تضامن متعدد الاتجاهات بين دول الجنوب وبين دول الشمال والجنوب وبين البلدان المصدرة للنفط وللمواد الغذائية لكي يتجنب العالم أزمة قد تكون الأخطر بالتأكيد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.