مازالت حكومات العالم متخوفة من احتمالات مواصلة أسعار النفط المنحى التصاعدي الذي أضحى يهيمن على الأفراد والمجتمعات بفعل التأثيرات الحادة على الميزانيات والقدرات الشرائية للمستهلكين وبالخصوص على المواد الغذائية التي بدأت تشهد بدورها موجة غلاء لم يعرفها العالم منذ عقود طويلة. ومما يزيد في التخوفات بعض التوقعات التي يطلقها بين الفينة والأخرى خبراء ومسؤولون يلمحون فيها إلى امكانية تواصل الارتفاع الجنوني سواء لأسعار النفط او المواد الغذائية مما يؤدي إلى انعكاسات سلبية على الأوضاع الاجتماعية في عديد البلدان التي لم تتمكن شعوبها من مسايرة نسق غلاء المعيشة. ومن هذه التصريحات ما ذكره رئيس منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبيك) من أنه يتوقع تراوح سعر برميل النفط خلال هذه الصائفة بين 150 و 170 دولارا بسبب انخفاض سعر الدولار الذي يراه السبب الرئيسي لهذا الارتفاع اضافة إلى التهديدات التي توجه لإيران. ولا شك أن تزايد الطلب على النفط من جانب الدول الكبرى المصنعة ومن قبل الصين التي يتوقع ارتفاع نسق طلبها على هذه المادة والمضاربات في السوق كلها تفاعلت لإفراز أزمة خطيرة من شأنها تهديد الاستقرار في البلدان النامية خاصة وخلق بؤر توتر في عالم مازال لم يستقر بعد على الصعيد الجيو سياسي بسبب محاولة انفراد بعض الدول بالهيمنة على ثروات الشعوب وتحديدا مصادر الطاقة. ويشكل هذا الوضع منعطفا في تاريخ البشرية ذلك أنه قد تكون المرة الأولى التي يشهد فيها المجتمع الدولي اضطرابات وحروبا بسبب ندرة مصدر رئيسي للطاقة وتحكم الدول الكبرى في غذاء بقية بلدان العالم وبالتالي يتعين من الآن التفكير في تضامن فعلي بين جميع الدول لأن أية اضطرابات في العالم ستهدد مصالح الدول الكبرى نفسها فليس من مصلحة تلك الدول تأجيج الأسعار رغم أنها قادرة على تسديد فواتيرها بل إن بعضها مثل أمريكا لديه احتياطي من النفط يكفيه لعقود طويلة. من الخطإ إذن أن تحاول الدول الكبرى تجويع الشعوب واخضاع إرادتها من خلال وضع يريحها هي ويخلق الفوضى في مجتمعات البلدان النامية لأن عالم اليوم أصبح مترابطا من خلال الاقتصاديات والأسواق والحاجة الدائمة إلى مصادر الطاقة وإلى الأسواق لذلك على الدول الفاعلة التحلي بالحكمة قبل التورط في توجيه العالم أو مناطق كبيرة فيه نحو الفوضى والحروب.