هاريس تتحدى ترامب لمناظرة ثانية والأخير يرفض    نقابة القضاة تعبر عن استيائها مما اعتبرته "حملة ممنهجة "ضدها    في النصف الأول من العام القروض البنكية تشهد تطورا    مطلوب المزيد من الحوافز والاعفاءات ..عدد السيارات الكهربائية في تونس مازال ضعيفا    الاتّحاد المنستيري يُودّع كأس رابطة أبطال إفريقيا    أخبار شبيبة العمران ... الشبيبة ترفع شعار التحدي    عوسجة ..وفاة تلميذة إثر دهسها جرار أمام مدرستها    في تونس وصفاقس ومدنين: حجز بضائع مهرّبة بقيمة مليارين    سمير الوافي في ردّ خاص …شكر الله سعيك وثبت أجرك    مع الشروق .. لبنان و جامعة العجز العربي    تحقيق على الطريق ...بسبب الماء والدواء ...الأشجار في خطر وتفاح سبيبة مهدّد    الليلة وفجر الغد: أمطار بهذه الجهات    الطائرات الإسرائيلية تشن 80 غارة في 40 دقيقة فقط على البقاع الغربي وجنوبي لبنان    الفنان مرتضى الفتيتي ل«الشروق» «أخاف أن يقلق مني الجمهور» لذلك أبحث عن التغيير    وزارة الصحّة تطلق حملة توعوية ...أكثر من ربع التونسيين مصابون بالسمنة    تونس: منصّة ورقم هاتف للإبلاغ عن كل من يُلقي بنفايات الهدم والبناء بالشوارع    فرنسا: الإليزيه يعلن التشكيلة الحكومية الجديدة بقيادة ميشال بارنييه    القيروان.. ظهور تشققات وتصدعات جديدة في سور المدينة العتيقة    النادي الصفاقسي يتأهّل إلى دور المجموعات    ما هي بطاقة ''الفيزا البنكية''    توفير نحو 300 ألف جرعة تلقيح مضادة لل0نفلوانزا    فوائد لقاح ''القريب''    الليلة.. أمطار متفرقة وطقس مغيم    الاتحاد المنستيري يواجه النجم الساحلي والترجي يلاقي الملعب التونسي على قناة الكأس    النادي الصفاقسي في مواجهة حاسمة أمام روكينزو البوروندي: تعرّف على التشكيلة الأساسية    بطولة المانيا: بايرن مونيخ يكتسح بريمن بخماسية نظيفة    تأجيل إضراب أعوان مؤسستيْ شركة السكك الحديدية وشركة أشغال السكك الحديدية    تعديل القانون الانتخابي يشكل مسا بمؤسسات الدولة و تجاوزا للقضاء الإداري (حملتا زمال والمغزاوي )    الاتّفاق على الزيادة في أجور العاملين بقطاع النزل السياحية    ثلاثة أفلام تونسية تشارك في الدورة الخامسة والثلاثين من مهرجان الفيلم العربي بفاماك    القصرين: المنسقون الجهويون والمحليون لحملة قيس سعيد بالجهة يواصلون الحملة الدعائية الميدانية لمرشحهم    بفارق 7 سنوات عن العالم: دولة تحتفل برأس السنة 2017    بداية من الإثنين القادم: الأمطار تشمل أكثر من معتمدية    عبد الرزاق الشابي: إشتهرت ب12 كلمة    عبد الرزاق الشابي يكشف قصة حبّه مع علياء بلعيد    عاجل/ المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تحذر..وهذه التفاصيل..    وزير الخارجية يشارك في قمّة "المستقبل" والدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك    عاجل/ العثور على جثة امرأة متعفنة بمنزلها..    الاعتدال الخريفي يحدث في تونس غدا الأحد على الساعة 13 و43 دقيقة    هام/ هذه الامتيازات الممنوحة للتونسيّين المقيمين بالخارج عند اقتناء السيارات الكهربائية..    الرابطة الأولى: تحديد ملعب مواجهة مستقبل سليمان والترجي الرياضي    وزارة الفلاحة تنشر جدولا زمينا لانطلاق عمليات الصيد البري في اطار موسم 2024 -2025    البنك المركزي يعزز دعم الزراعة في تونس بتوسيع نطاق القروض وتعديل شروط السداد    جريمة غامضة ومروعة.. العثور على أم وولديها مذبوحين بمنزلهم..#خبر_عاجل    وزارة الصحة تناقش مشروع قانون يتعلق بتربية الكلاب والحيوانات الخطرة على هامش التحضير لليوم العالمي لداء الكلب    ظهر في مناطق قريبة من الحدود مع السودان: مرض غامض يضرب هذه البلاد    مؤسسات إعلامية تقاضي غوغل    بقيادة معين الشعباني: نهضة بركان المغربي يبلغ دور مجموعات مسابقة كأس الكاف    الطقس في تونس : أمطار خفيفة واعتدال في الطقس    نكسات حزب الله.. أبرز القياديين المستهدفين خلال أشهر    حكايات من الزمن الجميل .. اسماعيل ياسين... الضاحك الحزين(2 /2).. النهاية المأسوية !    عادات وتقاليد: مزارات أولياء الله الصالحين...«الزردة»... مناسبة احتفالية... بطقوس دينية    "دريم سيتي" يحل ضيفا على مهرجان الخريف بباريس بداية من اليوم    رم ع الصيدلية المركزية: "توفير الأدوية بنسبة 100% أمر صعب"..    توزر: وضع حجر الأساس لانجاز المحطة الفولطوضوئية الجديدة بطاقة انتاج قدرها 50 "مغواط" بجانب المحطة الأولى    والدك هو الأفضل    كظم الغيظ عبادة عظيمة...ادفع بالتي هي أحسن... !    مصر.. التيجانية تعلق على اتهام أشهر شيوخها بالتحرش وتتبرأ منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف الأسبوعي :من "الجنس الحلال" وتعدّد الزوجات إلى اغتيال الأولياء الصالحين والجهاد
نشر في الصباح يوم 21 - 01 - 2013


سنية تومية (نائبة عن حركة النهضة(
إقرار تعدد الزوجات سيحد من الزواج العرفي
أثارت دعوة النائبة بالمجلس التأسيسي عن حركة النهضة سنية تومية إلى الفصل بين الجنسين في وسائل النقل ردود أفعال متباينة بين رافض متهكّم لهذه الدعوة التي لا تبدو منسجمة مع معطيات واقعية وبين موافق ومتبنّ لهذه الدعوة
بل ويطالب بتدعيمها ليتمّ الفصل بين الجنسين حتى في مقاعد الدراسة مبررين ذلك بأن الإخوة يتمّ الفصل بينهم في المضاجع شرعا، فما بالك بالدراسة أو الحياة العامة..
وباتصال خاطف جمعنا بها وسؤالنا لها حول ما إذا كانت تلمس تغيّرا في ملامح المجتمع من خلال العديد من الظواهر الجديدة التي بتنا نلحظها يوميا كدعوات الفصل بين الجنسين وتعدّد الزوجات بالإضافة إلى انتشار ظاهرة الزواج العرفي..
في مستهل حديثها معنا تقول سنية تومية "لم أدع إلى الفصل بين الجنسين، كل ما في الأمر أنني باعتباري نائبة عن الشعب بأسره، سواء عمّن انتخبني أو من لم ينتخبني كما ينص على ذلك النظام الداخلي، رفعت أمانا للسلفيات وهن جزء من المجتمع. كما إنني لم أعبر عن منع وسائل النقل المشتركة، بل طالبت بوسائل نقل خاصة بالإناث لتجنب التحرّش اليومي لبعض المرضى النفسيين، ووسائل نقل خاصة بالذكور ووسائل مشتركة، ولنترك حرية الاختيار للناس.
إننا نرى بلدانا متطورة لها وسائل نقل خاصة بالنساء كالمكسيك مثلا، والعالم برمته ما هو إلا قرية كونية صغيرة وتونس جزء من هذه القرية تؤثر و تتأثر، ولا سيما للأسف الشديد بتنا نسمع عن جرائم اغتصاب تحدث اليوم في العالم في وسائل النقل العمومي المشترك".
النقاب ليس زيا شرعيا
وبالنسبة لتعدّد الزوجات تقول تومية "إنني أدعو إلى ترك إمكانية التعدد بالنسبة للزوجات لمن يريد وفي حدود الاستطاعة، وبمشاورة الزوجة الأولى وخاصة إذا كانت الزوجة الأولى أضحت غير قادرة على القيام بواجباتها الزوجية، وهذا سيحدّ من الزنى ومن الخيانة الزوجية ومن ظاهرة العنوسة وسيقلل من الطلاق الذي هو حلال لكن المولى سبحانه وتعالى يبغضه، وأعتقد أن ذلك سيقضي على ظاهرة الزواج العرفي التي تغلغلت للأسف الشديد في المجتمع.
وهذا يعبّر عن آراء بعض المواطنين، وأنا أنقلها بكل أمانة وأشاطرهم الرأي، فلن أحلل حراما و لن أحرم حلالا. لذا أدعو إلى دراسة عميقة وشاملة للمجتمع التونسي تكون معتمدة على إحصائيات دقيقة وصادقة لمعرفة هل أن المجتمع في الوقت الحالي يحتاج فيه الرجل إلى امرأة واحدة أو أكثر، وبالتالي نكيّف المنظومة القانونية للمجتمع..
النقاب ليس الزيّ الشرعي والزيّ الوحيد الشرعي في الإسلام هو الحجاب. أما النقاب فأنا أدافع عنه من منطلق وحيد هو منطلق الحرية الشخصية للباس المرأة أي من منطلق حقوقي بحت".

محمد الكيلاني
الوهابية تسعى إلى تغيير ملامح المجتمع.. بمباركة سياسية
الثورات العربية ولدت من رحم الشارع الثائر على الحيف الاجتماعي وفساد الحكام الذين نهبوا الثروات وجوّعوا شعوبهم، لكن الربيع العربي جنت ثماره على مستوى السلطة والحكم الحركات الإخوانية التي شرّع بعضهم وجوده في سدّة الحكم بأن الإرادة الشعبية اصطفته لأن الثورات خرجت من تحت "إبط القرضاوي"، فقيه الأمة ومنظّر الحركات الإخوانية.. وهو ما جعل النخب التقدمية والحداثية تعتبر ذلك تحريفا لتاريخ الثورات العربية وسعيا لتنميط المجتمعات وفق رؤى وأفكار مستوردة..
وفي حديث جمعنا به أكّد محمد الكيلاني زعيم الحزب الاشتراكي اليساري محاولة طمس الملامح الحالية للمجتمع وتشكيل ملامح جديدة هو هدف تسعى إليه قوى سياسية ودينية منذ زمن..
قطر مصدرة للمشروع الوهابي
وفي مطلع حديثه يقول الكيلاني "منذ مطلع الثمانينات وأنا أناضل للتصدّي إلى مخططات حركة النهضة أو حركة الاتجاه الإسلامي سابقا والهادفة إلى تغيير نمط المجتمع والعمل على أسلمته على الطريقة الوهابية والتي تتبنى قيادات الحركة أفكارها وقناعاتها.. ونحن اليوم نرى بأمّ أعيننا كون الأوضاع تتجه نحو التسليم بالمجتمع الوهابي الذي تفشّى في الشرق وأفغانستان ثم انتشر من جديد في المجتمعات العربية برعاية قطر مستغلا ثورات الربيع العربي ليخترق هذه المجتمعات.. وترعى دولة قطر المتبنية والمصدّرة للمشروع الوهابي هذه المرّة في العالم العربي وقد أعادت إبرازه كتعبيرة جديدة للمجتمعات العربية..
وهذا طبيعي بما أن القوى الديمقراطية والحداثية في تآكل متواصل ومنساقة وراء الصراعات الهامشية ولا ترى بوضوح الخطر الداهم المتربّص بالمجتمع التونسي ولا تسعى إلى أن تكون كتلة واحدة لإرساء قوة تاريخية قادرة على توقيف هذا السير الجارف من جحافل الوهابية السلفية التي تريد تنميط المجتمع من جديد..
وبالتالي كل القوى الديمقراطية والحداثية يجب أن تتوحّد لتحافظ على المجتمع التونسي العقلاني والمعتدل والمنفتح على الحرية التي تراعي خصوصيات المجتمع وتطوّره.. فلمّا ننسى أن لهذا البلد تراكمات حضارية ومعارف تخصّه وتميزه فقبل الهرولة الى المطالبة بتعدّد الزوجات أو بتحليل الجنس من خلال زواج عرفي، لِمَ لا نتذكّر الزواج القيرواني الذي أتى في إطار اجتهاد وبحث فقهي معمّق فيما شرّعه الإسلام وأقرّه؟.."
«أسلمة» المجتمع آجلا أو عاجلا
وبسؤالنا للكيلاني إذا ما كان يشعر أن هذه المساعي لتنميط المجتمع بأفكار ومناهج "مستوردة" بعيدة عن تقاليدنا وموروثنا الديني والحضاري، تحظى بمباركة سياسية من الحزب الحاكم بمرجعية إسلامية، أكّد أن هناك أكثر من المباركة الخفية بل الأمر تجاوز ذلك إلى التشجيع العلني على ذلك في إطار عمل شاق لتغيير ملامح المجتمع، ويضيف "قيادات حركة النهضة لا تخفي حماستها لهذا الأنموذج "المستورد" للمجتمع من خلال خطب واضحة وتصريحات علنية تؤكّد أننا نتجه نحو أسلمة المجتمع آجلا أو عاجلا..
وأعتقد أن القوى اليسارية كانت بلهاء عندما وثقت في أن النوايا المعلنة للإسلاميين تجاه المجتمع والحكم في تونس، لأن الواقع يثبت أننا نتجه حثيثا نحو دولة دكتاتورية على الطريقة الأفغانية والوهابية.."

رابح الخرايفي
محاولات جدية لتقويض نمط المجتمع الحالي..
المحاولات المتكرّرة "لاستيراد" نمط مجتمعي غريب عمّا عهدناه كمجتمع له مراكماته الحضارية والثقافية لم تعد مجرّد ظواهر معزولة بقدر ماهي حقائق ملموسة تتبناها عديد الأطراف كما يناهضه عديد الأطراف وخاصّة القوى السياسية التقدمية والحداثية..
وحول هذا الموضوع بالذات اتصلت "الصباح الأسبوعي" بالنائب في المجلس التأسيسي عن الكتلة الديمقراطية رابح الخرايفي والذي يؤكّد في مستهل حديثه معنا أنه "واثق من أن ما يحدث الآن من وقائع مختلفة هو خلق حالة مستمدّة من تراكم ثقافي هدفها تقويض نمط المجتمع والتحوّل به من مدني إلى ديني، وقد شجّع سكوت حركة النهضة والحكومة هؤلاء لتقويض بناء المجتمع، فالصمت على ممارسة هذه الأفعال -سواء كان ذلك بطريقة سلمية أو بالعنف- هو مباركة ضمنية لهذه الأفعال وتشجيع من السياسيين عليها، خاصّة وأن بعض القيادات السياسية يعتبرون أن هؤلاء السلفيين والذين يبشرون بعادات وتقاليد ونمط مجتمعي جديد، هم شباب تونس ولم "نستقدمهم" من المريخ، وهو كذلك شباب الصحوة الإسلامية.. وهذا التداخل بين أدبيات الحزب الحاكم وتسيير الدولة أثر على النمط المجتمعي في تونس، كما أن هناك نوايا أصبحت معلنة، وهي محاولة إقناع الرأي العام المحلي والدولي بأن الثورة لم تقف وراءها مطالب اجتماعية بل هي ثورة دينية لتحكيم الشريعة.. وأنا أستغرب من هوس بعض القادة السياسيين بمسألة تعدّد الزوجات والزواج العرفي وكأنهم يتعاملون مع مجتمع مكبوت وهو ما يكشف أن جزءا هامّا من الفريق الحاكم خاصّة، يفتقر إلى رؤية واضحة لمفهوم الدولة..
وبالتالي لا بدّ من إرساء ضمانات حقيقية لمدنية الدولة خاصّة من خلال تنصيص التوطئة وفصول الدستور على مدنية الدولة وكذلك التمسّك بإحداث محكمة دستورية تكون الضامن الأساسي لعلوية قوانين الدولة".

آمال الغرامي (جامعية وكاتبة(
فرض تصور لمشروع مجتمعي ينهل من "الشرق" على التونسيين
تتهم أطراف سياسية وحقوقية، الحكومة والحزب الحاكم حركة النهضة بأنهما يتعمدان التزام الصمت على ظواهر باتت تهدّد المكاسب الحضارية للمجتمع والتي ناضلت أجيالا لتثبيتها،وأن هذا الصمت يضمر نوايا "مبيتة" من حركة النهضة أساسا والتي تحكم بمرجعية إسلامية لمحاولات إعادة تنميط المجتمع التونسي وفق رؤى وتصوّرات يقول عنها البعض أنها "مستوردة" من مرجعيات دينية وفكرية دخيلة عن مجتمعنا وتقاليدنا، وتوصف غالب الأحيان بأنها تعبّر عن فكر وهابي يستعمل الفعل السياسي ويستغلّ الثورات العربية "لغزو" الأقطار العربية التي أصبحت بعد تخلّصها من الأنظمة الدكتاتورية هشة سياسيا واجتماعيا..
"الصباح الأسبوعي" وفي حديث جمعها بالكاتبة والجامعية آمال الغرامي سلّطت الضوء على هذه الظواهر المستجدة في المجتمع والتي أصبحت تساهم بفاعلية في تغيير ملامحه وحتى عاداته وتقاليده أمام غياب موقف حكومي وحزبي واضح من الأحزاب الحاكمة حول مشروعها الحضاري والثقافي الذي تبشّر به..
"شرع الله" وهيمنة الفكر الذكوري
باسم تطبيق الشريعة تتعالى عدة أصوات تنادي بمطالب قد تختلف في جوهرها عن الموروث الحضاري للبلاد لكنها في نفس الوقت تبشّر بثقافة جديدة وافدة، وحول ذلك تقول آمال الغرامي "هذه الأصوات التي ترتفع منادية بمطالب ترتكز بالأساس على العمل' بشرع الله' ظاهرا وهيمنة الفكر الذكوري باطنا لم تعد تقتصر على صياغة خطابات دعوية والتأثير في جموع الشباب بل أضحت تفعّل في الواقع عبر التشجيع على ممارسات تقوّض مفهوم الدولة المدنية."
وتؤكّد آمال الغرامي أن موقف الحكومة مازال ملتبسا بقولها "بم نفسّر صمت الحكومة أمام ظاهرة الزواج العرفي في بلد يمنع فيه تعدّد الزوجات؟ وما معنى إلزام عدد من الفتيات الصغيرات بلبس الحجاب في بلاد أمضت على اتفاقيات تنّص على حماية حقوق الأطفال؟ وبم نفسّر التضييق على الحريات الفردية والحال أنّ الرسائل 'التطمينية' التي وجّهها حزب النهضة تفيد التزام الحزب بعدم المساس بنمط عيش التونسيين؟
إنّ هذه المحاولات لفرض تصوّر لمشروع مجتمعي ينهل من المعين المشرقي على التونسيين والتونسيات، تثبت رغبة بعضهم في محاصرة الناس من خلال الطوق الثقافي الأبوي وإخراجه في لبوس ديني."
"العجز" عن تشخيص الواقع..
وعن الأسباب المؤدية إلى تفشّي هذه الدعوات "الغريبة عناّ" في حين أن البلاد تحتاج إلى توجيه إمكانياتها نحو مواطن الوهن اقتصاديا واجتماعيا تقول آمال الغرامي "لعل السؤال الذي يتكرر لم ترتفع هذه الأصوات في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وتفشي الجهل وشيوع حالات الانتحار وتفاقم الإحساس بالإحباط ؟ أليس الإغراق في مثل هذه الخطابات الداعية إلى الفصل بين الجنسين، وتعدد الزوجات وزواج القاصرات، وعودة النساء إلى البيوت، ....علامة دالة على عجز منتجي هذه الخطابات على تشخيص الواقع الراهن وتحديد الرهانات المطروحة ومعالجة المشاكل الحقيقية التي انتفض من أجلها الثوّار؟ ففي ظلّ غياب طرح البدائل(اقتصاديا وسياسيا ومعرفيا) وانسداد الأفق يتحوّل الخطاب الديني إلى "طوق النجاة " يبشّر بالخلاص النفسي ويوهم بتقديم البلسم الشافي، ويصبح الارتماء في حضن الماضي والاتكاء على سيرة السلف والاستنجاد بما ترسّخ في المتخيّل الجمعي من صور نمطية وأحكام مسبقة... واستحضار أقوال القدامى السبيل الوحيدة للخروج من المآزق والأزمات وحالات القصور والعقم.
كما تؤكّد الغرامي أن تأخّر إنجاز "الثورة الثقافية " وإصلاح منظوماتنا التربوية، ومناهجنا التعليمية، قد جعل الوضع يتأزّم أكثر فأكثر. فأنّى لمن يعوزه الفكر النقدي، ولم يتعوّد على مقارعة الحجّة بالحجّة ووضع المفاهيم والمقولات موضع تساؤل ولم يتعلّم تفكيك مختلف الخطابات أن يواجه أسئلة الحاضر؟ وأنّى لمن عاش محروما من الكلام والتعبير والحوار مع المختلفين وفق أدبيات الاختلاف والمناظرة والردّ أن يقاوم مختلف عمليات الترويض الجديدة التي تحدث باسم الدين.؟
وتختم آمال الغرامي بقولها "طالما أنّ الفرد لا يزال غير قادر على تحمّل مسؤولية خياراته وفق مقتضيات حرية الضمير فإنّه سيبقى عوّالا على الآخرين يتحوّل من شكل عبودية إلى أخرى. "

بين "الفياغرا" و"الكلاشينكوف"
تتفق جلّ الآراء على أن الثورة فعل متحرّك يساهم بفاعلية في "خلخلة" الأوضاع القائمة، ويعمل في غالب الأحيان على إحداث تغييرات جذرية سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي..
والفعل الثوري هو فعل منتج وخلاّق وليس بعقيم، ناهيك أن الثورات في مجملها تقوم ب"اجتثاث" ما هو قائم وإحداث التغيير المنشود الذي ترجوه الجماهير من وراء ثورتها.. وإذا كان الفعل الثوري يتجه خصوصا إلى زعزعة النظام السياسي والذي عادة ما يكون محكوما بدكتاتورية مقيتة فإنه وفي أغلب الأحيان يصاحب التغيير السياسي تغييرات أخرى وعلى أصعدة مختلفة..
والثورة التونسية التي كان جوهرها حراك شعبي شمل كل المدن والمناطق، كانت كغيرها من الثروات تنشد التغيير في مجالات وقطاعات حدّدها الشعب المنتفض والثائر على السلطة الجائرة في الشعارات التي رفعها الثوار وقتل من أجلها الشهداء وهي أساسا "شغل، حرية، وكرامة وطنية".
"ثقافة" الإلهاء
ورغم أن الثورة كللت بالنجاح عندما أطاحت برأس النظام في يوم "الهروب الكبير" إلا أن المسار الانتقالي الذي تقاسمت فيه الأدوار السياسية أربعة حكومات متعاقبة، منها حكومة "الترويكا" الحالية والتي تحكم باسم الشرعية والإرادة الشعبية التي فرضت كلمتها في انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية، اتسم في أكثر من موضع بالتعثر وبقدرته المحدودة في الاستجابة لتطلعات الثورة وتحقيق استحقاقات الثورة، وعوض أن تنصرف الإرادة السياسية إلى الفعل والبناء نجد أن هذه الإرادة مثلها مثل الرأي العام تنصرف إلى متابعة مسائل هامشية تهدف إلى الإلهاء عن الملفات الوطنية الحارقة..
لنجد أنفسنا نناقش مواضيع على شاكلة الزواج العرفي ومطلب تعدّد الزوجات وأعمال العنف التي اكتسحت المشهد دون أن نقف على محرّكها وفاعلها الأصلي.. لتنتهك حرمة مقامات الأولياء الصالحين ويُعنّف المتظاهرون من أجل مطالب مشروعة وحتى السياسيين يتعرّضون إلى اعتداءات شنيعة دون أن نتمكّن من النيل من مقترفي هذه الأفعال والجرائم، وفي سيناريو تراجيدي يتطوّر المشهد ليصبح الحديث عن مخازن من الأسلحة والذخيرة التي ترتع في ربوعنا دون رقيب أو حسيب، حديث تتسابق لتداوله والفوز بسبق نشره في وسائل الإعلام، وكل ذلك دون أن نكلف أنفسنا جهد دق ناقوس الخطر حول هذه الظاهرة، التي تهدّد البلاد برمتها بالرمي بها في "أتون" الصراعات المسلحة أو حتى التدحرج الكارثي إلى حرب أهلية..
فمنذ شهور ونحن نعيش على وقع تفاصيل جديدة لمعطى خطير وهو السلاح الذي اخترق وتسلل عبر حدودنا واستقر بين أيادي مجموعات لم نستطع إلى اليوم كدولة تفكيك "شفراتها" أو الوقوف على مخططاتها الحقيقية والتي تهدف ولا شك إلى زعزعة الأمن والاستقرار في هذا البلد الذي كانت من أبرز ميزاته أنه بلد مسالم وخال من الإرهاب..
إرهاب بلون الحبوب الزرقاء
الإرهاب هذا "الغول" الذي يرهبنا ونخشاه جميعا اليوم، أصبح حقيقة ملموسة على أرض الواقع بوجود مجموعات مسلحة لم تتورّع عن تصويب أسلحتها نحو قوات الأمن والجيش الوطني وأسفر ذلك عن سقوط قتلى، والحصيلة مرشحة للارتفاع خاصّة مع استعار الحرب في مالي مع هذه التنظيمات الإرهابية والتي أثبتت الوقائع الأخيرة أنها تملك ما يفوق توقعاتنا من الذخيرة والأسلحة المتطورة الكفيلة بشن حرب ولا هجمات متفرّقة فقط، ومخزن السلاح الذي اكتشف مؤخرا خير دليل على ذلك..
وما نعيشه اليوم هو حالة من "الانتصاب الفوضوي" للأولويات وللقضايا الكبري، حيث أصبح الزواج العرفي وتعدّد الزوجات و"الاستبشار" بالفياغرا التي غزت صيدلياتنا وأعادت الدفء لعلاقاتنا الحميمية، أكثر أهمية وانشغالا بها من قضايا الشهداء والجرحى.. وبتنا ننشغل بقطع السلاح من بنادق "الكلايشنكوف" و"السنيبر" والعبوات الناسفة والتي تضبطها الأجهزة المختصة، أكثر من انشغالنا بالمشاريع التنموية وما ستوفره من مواطن شغل، تضمن كرامة المواطنين وتقينا حاجة التسوّل.. وقد تكون كميات الذخيرة التي ضبطت في الجنوب منذ أسابيع مع كميات هائلة من حبوب الفياغرا المقلدة انعكاسا هزليا لمأساتنا.. لتحكم أيامنا في نهاية المطاف حبة زرقاء و"كلاش".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.