يبدو أن لغة الحوار بين الجهات الداخلية ومركز القرار بالعاصمة حيث تتمركز الحكومة بدت فاترة أو شبه منعدمة، مما أدى الى جملة من الاضرابات والتحركات في هذه الجهات قد بلغت مداها في الفترة الاخيرة واتخذت أشكالا تمثلت بالخصوص في الاضرابات العامة في عديد المعتمديات كان آخرها ما جد أول أمس بسليانة. هذه الاضرابات والتحركات فسرتها أطراف في السلطة على أنها مسيّسة وهي لا تعكس بالفعل مطالب ذات بعد تنموي أو لها علاقة بمطالب واستحقاقات عاجلة تتصل بالتشغيل وغيرها من المطالب الحيوية التي طالما ترقبتها تلك الجهات وفي مقدمتها مظاهر البطالة التي مازال يعاني منها السكان وخاصة منهم الشباب حاملي الشهادات العليا. ومقابل هذا يؤكد السكان أن رياح الثورة لم تهب عليهم ولو بتباشير بسيطة تعكس تغييرا منتظرا لواقعهم الصعب، حيث أنه لاتزال البطالة والخصاصة وانعدام المشاريع التنموية تخيم على جهاتهم، الى جانب تعطيل كافة الوعود التي قطعتها الحكومة بخصوص بعض المشاريع التي وقعت برمجتها بتلك الجهات. كل هذا قاد الى تلك التحركات بعد أن خيم اليأس على السكان فأدى الى تصادم بين المسؤولين الجهويين وفي مقدمتهم الولاة وبين مكونات المجتمع المدني هناك، والى تنافر تام لا ندري الى أين سيبلغ مداه؟ وهذا الوضع الذي أصبحت عليه العلاقة بين المسؤولين في تلك الجهات والسلطة ما كان ليحصل أو يبلغ هذا المستوى لو أن المسؤولين من معتمدين وولاة وغيرهم تصرفوا بحكمة واقتدار وكان لهم استقلالية القرار في ادارة واعتمدوا منطق الاصغاء والحوار لمشاغل السكان عبر اتصال مباشر يمكن أن يبدد تلك المخاوف ويؤدي ذلك الى الاقناع القائم على بعث الأمل في تغيير واقع الجهات. ثم إن الظرف والاوضاع تقتضي ايضا زيارات ميدانية من قبل الوزراء والمسؤولين لتلك الجهات لتأكيد الاهتمام بالمواطنين وبمشاغلهم ولتوطيد العلاقة معهم أينما كانوا على ارض الوطن وتحسيسهم بأن عجلة التنمية واستحقاقات التشغيل وغيرها من المطالب سوف تتحقق، وأن الاهتمام بالشأن العام في مقدمة مشاغل الحكومة. إن هذا الاسلوب الذي غاب في تحركات الحكومة وأعضائها كان من ابرز الاسباب التي أدت بسكان تلك الجهات الى التحرك بشكل جماعي، وهو أمر لا يمكن غض الطرف عنه تحت اللهث وراء السباق السياسي الغالب على تحركات كل المشهد السياسي الذي سقطت فيه الحكومة والمعارضة، متناسين بذلك الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي تتخبط فيها البلاد.