بقلم: محمد كشت «كاد المعلم أن يكون رسولا»... الحمد لله أن توفرت لغتنا العربية العظيمة على الفعل الناسخ «كاد «و إلا لكان الخطب جللا و لأصبح مثل أستاذنا و أستاذ أساتذتنا جميعا «محمد الطالبي» رسولا . ذلك لا يعني مطلقا أنني اتفق مع ما قاله السيد «يوسف الصديق» حين علق على ما جاء على لسان الأستاذ الطالبي في محاورته للشيخ عبد الفتاح مورو «خرف و يخرّف» و «لازمو يرتاح» و «ماعندو حتى قيمة» فذلك ما قد يحيد بنا عن اللياقة و اللباقة و الكياسة. غير انك تجدنا مدفوعون دفعا إلى التفاعل مع مقال الأستاذ «الطالبي» الأخير الذي نشرته صحيفة «المغرب» بعنوانه المتناهي في الطول» في انتظار الخليفة الراشد السادس ..التشريع للدكتاتورية نقلا عن تاريخ الطبري ..الصحابة ليسوا مقدسين و لا قدوة عموما :كانوا بشرا ككل البشر -انتهى العنوان-. واللافت أن التصدير الذي وضعته الصحيفة للمقال يحتو على تعريف للطالبي بأنه «الكاتب والمفكر المسلم» ولسنا ندري إن كان تأكيد الصحيفة على ذلك من قبيل الاجتهاد في دفع الشبهة عن كاتب المقال أم تراه بتوصية من الطالبي نفسه ردا لبعض التهم التي ألصقت به بعد ما كان منه خلال محاورته للشيخ «مورو'. و لا يمكن تجاوز ذلك دون التأكيد على أن التكفير إنما هو سلاح الضعيف يشهره كلما أعوزته الحيلة الدامغة و من هنا فنحن لا نملك إلا أن نرفضه شكلا و مضمونا و نعتبر انه لا يعدو أن يكون تدخلا سافرا فيما هو بيد الخالق وحده . ناهيك أن الله سبحانه لم يوكل أحدا من عباده للدفاع عنه و لا عن دينه بل على العكس من ذلك فقد رفض بصريح الآية أي تدخل في معتقدات عباده :»ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين». غير انه يجب التنبيه هنا أن الأستاذ الطالبي ولئن أعلن رفضه القاطع لأسلوب التكفير مؤكدا انه لا تعوزه الحجة في «رفع الشبهات» التي تكفره لم يستطع الابتعاد عن ذات المنهج أي التكفير حين نعت في كتابه «ليطمئن قلبي» الأستاذ « عبد المجيد الشرفي» و هو من تلامذته النجباء- ومن لف لفه بالانسلاخسلاميين» و ماذا يمكن أن يكون الانسلاخ عن الإسلام في شرع استأذنا غير الكفر يا ترى. و أول من شرع للتكفير حسب ما توصل إليه استأذنا الطالبي هو الخليفة الثالث «ذي النورين»عثمان بن عفان واحد المبشرين بالجنة وهو ذلك الذي قال فيه الرسول الأكرم «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم.» أما من فتح أبواب الدكتاتورية و الاستبداد حسب الأستاذ فهو ليس سوى «الفاروق» عمر ابن الخطاب ذلك الذي قال فيه «الهرمزان» رسول ملك الفرس عندما وجده نائما تحت شجرة «عدلت يا عمر فأمنت فنمت» وهو قائل تلك المقولة الشهيرة «متى استعبدتم الناس و قد خلقتهم أمهاتهم أحرارا». ثم يخلص الأستاذ إلى نتيحة بحثه في آخر المقال أن «حركة النهضة» ليست سوى «حركة جهادية» «لها أمير يقوم مقام الخليفة ويضفي الشرعية على مغامراتها « . ورغم أن المقال كان مطولا و يحتوى على مجموعة من الافتراءات التي لا سند لها فإننا سنكتفي هنا بالإشارة إلى ما بدا لنا أنها ثغرات في المنهج فلقد علم الأستاذ محمد الطالبي أجيالا من الطلبة في الجامعة التونسية. ولعل أول ما تعلمنا من جامعتنا هو صرامة المنهج العلمي في البحث .و نسوق في هذا السياق ما يلي: * أن الأستاذ الطالبي اعتمد على مرجع واحد ووحد هو «تاريخ الطبري» و استخلص منه نتائج ادعى أنها حقائق تاريخية والحقيقة التاريخية لا يمكن بحال اعتمادها ما لم تتعد المصادر والشهادات إلى تثبتها . * الأكيد أن «تاريخ الطبري «يعتبر من أهم المصادر التاريخية لكن» الطبري» ذاته في مقدمة الكتاب ينبه المتعامل مع الكتاب حين يقول «وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما شرطت أنني راسمه فيه إنما هو على ما رويت من الإخبار التي أنا ذاكرها فيه و الآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه دون ما أدرك بحجج العقول و استنبط بفكر النفوس إلا اليسير القليل منه ...فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه (كما هي الحال) من اجل أن لم يعرف له وجها في الصحة و لا معنى في الحقيقة فليعلم انه لم يؤتى في ذلك من قبلنا وإنما أتي من بعض ناقليه إلينا و انا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا». و بالتالي فان ما حواه كتاب الطبري ليس سوى مجموع الأخبار المتواترة في عصره دونما تمحيص و لا تدقيق و لا «تجريح». * أن استأذنا يصدر أحكامه الباتة في تيار سياسي كبير في البلاد دونما التفاتة واحدة إلى أدبياته وقد اعترف بذلك صراحة في حواره على قناة «حنبعل» وذلك ما لا يمكن بحال أن يقترب من الموضوعية العلمية. نسال الله حسن الخاتمة لنا و لاستأذنا الجليل ونحيله على قول «المعري» كم من فقيه خابط في ظلالة **حجته فيه الكتاب المنزل وقول الله سبحانه قل هل ننبؤكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا صدق الله العظيم.