في نطاق التحكم في الطاقة اسند لإحدى الشركات الفرنسية بناء وحدة جديدة لتشغيل معمل اسمنت أم الاكليل بالفحم الحجري عوضا عن الغاز والكهرباء اللذين يكلفان هذا المعمل قرابة الخمسة مليارات من المليمات شهريا. وقد أسندت مناولة بناء هذا الجناح لأحد المقاولين التونسيين الذي انتدب مجموعة من العملة حسب عقود شغل موسمية... ويوم الكارثة أفادنا عمال شهود عيان أن الطابق الذي كانوا بصدد تغطيته بالخرسانة يبلغ علوه قرابة20م ويوجد تحته طابق سفلي قائم على أعمدة ولكنه غير مغطى... كما علمنا انه لتغطية السقف تم استعمال أعمدة من الحديد تسمى fer de H ولكن طريقة التركيب لم تكن حسب المواصفات الفنية فعوض أن توضع على الطول وضعت على العرض ربحا للوقت وكذلك للاقتصاد في كمية الحديد كما أنها وضعت بدون عدد كاف من الأعمدة الأفقية أو (ما تسمى بالشمع حسب لغة المقاولين) فلم تستطع تحمل كمية الخرسانة التي وقع صبها فوقها... كما يبدو -حسب بعض الشهادات- أن البعض منهم لفت نظر المسؤول عن البناء إلى أن هناك خللا في تركيب الأعمدة ولكنه طلب منهم مواصلة العمل لان الأمر ليس من اختصاصهم ولكن ما راعهم إلا والسقف الأول ينهار ويدفن معه العملة ومن بينهم هذا المسؤول الذي كان أول المتوفين تحت شبكة من الحديد. وما أن انتشر الخبر حتى هب عملة المعمل برافعاته للمشاركة في عمليات الإنقاذ كما تجندت سيارات الإسعاف الأربع التابعة إلى مستشفى تاجروين وقد وقع الاستنجاد أيضا بسيارة إسعاف المستشفى المحلي بالدهماني وبسيارة إسعاف سادسة من المستشفى الجهوي بالكاف إضافة إلى سيارات إسعاف الحماية المدينة وشاحنات إطفاء الحرائق... وهنا يجب أن نلفت نظر المسؤولين أن كل هذه السيارات هي سيارات من صنف ب ليست مجهزه لمثل هذه الكوارث وقد اشرنا في عددنا السابق بجريدة الصبا ح ليوم الأربعاء 23 سبتمبر 2009 في عددها 19442 إلى ضرورة التفكير في بعث مصلحة طبية للإسعاف والإنعاش SMUR أو قسم للمساعدة الطبية الاستعجالية SAMU بولاية الكاف. كما إن المعدات التي أتت بها الحماية المدنية لم تكن تتماشى مع حجم هذه الكارثة فلولا المعدات الكبيرة لمعمل اسمنت أم الإكليل لما تم انتشال أي جثة. وكان والي الكاف أول الواصلين على عين المكان واشرف بنفسه على عملية الإنقاذ مرفوقا بالمسؤولين الجهويين والمحليين. وحضر كذلك وكيل الجمهورية بالكاف وحاكم التحقيق للتحقيق في ملابسات هذا الحادث وقد فتح محضر بحث لمعرفة الأسباب التي أدت إليه وقد وقع إيقاف ثلاثة فنيين مشرفين على البناء على ذمة التحقيق. وخلال الليلة الفاصلة بين يوم الثلاثاء والأربعاء زار وزير التجهيز والإسكان مكان الحادث ثم تحول إلى المستشفى المحلي بتاجروين ومنه إلى المستشفى الجهوي بالكاف للاطمئنان على حالة الجرحى. وقد كانت تلك الليلة ليلة حداد بمدينة تاجروين والمعتمديات المجاورة مما يعبر على أن هذه المصيبة قد مست الجميع وأحس بها الجميع خاصة ونحن على أبواب عيد الاضحى. أما بالمستشفى المحلى بتاجروين حيث وضعت جثث الموتى فكنت ترى حالات الأسى واللوعة والوجوم على وجوه أهالي الضحايا. وما لاحظناه هو دور الإطار الطبي وشبه الطبي والعملة بالمستشفى المحلي بتاجروين الذين تجندوا لمواساة الاهالي وتسهيل خدمات تسلّم موتاهم... أما مدير المستشفى فكان متواجدا بنفسه في حجرة الموتى لتقديم العزاء للأقارب. وحتى كتابة هذه الأسطر وحسب مصدر طبي فإن عدد القتلى 7 أما بقية الجرحى من تونسيين وأجانب فحالاتهم في استقرار ولا تبعث عن الخطر.