الخيار الافريقي ليس ترفا بل هو تعديل لبوصلة الديبلوماسية التونسية نحو القارة الافريقية التي ينتمي اليها بلدنا انطلاقا من انتمائه لمنطقة جغراسياسية كانت ولا تزال ملتقى للحضارات المتعاقبة التي منحت تونس هويتها الفسيفسائية المتعددة لتكون في ذات الوقت تونس المغاربية العربية الاسلامية المتوسطية، ولكن أيضا الافريقية والتي قد ننسى في خضم غياب اتحاد المغرب العربي، وتناقضات المشهد السياسي وصراع النخب المتناحرة أهمية وقيمة هذا الموقع في تعزيز الآفاق والمصالح التونسية على مختلف الاصعدة... «الاستثمار في الشباب من أجل مستقبل مستدام» هو شعار القمة الافريقية-الاوروبية الخامسة المنعقدة في أبيدجان العاصمة الاقتصادية للكوت ديفوار بمشاركة رئيس الدولة الباجي قائد السبسي وبحضور ثمانين من القادة الأفارقة والاوروبيين في لقاء يعقد كل ثلاث سنوات.. ولا شك أن في شعار القمة ما يعيد الى الاذهان حجم التحديات الاقتصادية والامنية التي تعيش على وقعها القارة الافريقية وهو الشعار الذي ما انفكت تونس تراهن عليه منذ انطلاق المسار الديموقراطي قبل نحو سبع سنوات في بحثها وتطلعها الى تحالفات وأسواق اقليمية ودولية استثمارية جديدة.. طبعا، سيكون من السذاجة، بل من الغباء الحديث عن هموم ومشاغل مشتركة بين شعوب دول القارة العجوز، المستعمر السابق للدول الافريقية، وبين قائمة الملفات والازمات التي تعيش على وقعها القارة الافريقية التي تجاوز عدد سكانها الميار والتي يعد سبعون بالمائة منهم من الشباب دون سن ال25. ولكن الاكيد أن بين اوروبا وافريقيا رغم كل التفاوت الحاصل ما يمكن ان يؤسس لفضاء جديد يساعد على احياء الامل المفقود لدى الكثيرين.. دول افريقيا جنوب الصحراء تتغير تماما كما أن وجه افريقيا الذي طالما ارتبط بالمجاعات والحروب والصراعات ايضا يتغير ومعدلات النمو في دول مثل الكوت ديفوار وبوركينا فاسو ترتفع.. ندرك جيدا ان انظار القادة الاوروبيين المشاركين في القمة وبينهم الرئيس الفرنسي ماكرون والالمانية ميركل تتجه الى البحث عن سبل اغلاق المنافذ أمام سفن المهاجرين غير الشرعيين وضمان امن السواحل الأوروبية، وهي مسائل مشروعة، ولكن لا يمكن ان تسقط من الحساب الدور الاوروبي وسياسة النفاق في التعاطي مع افريقيا والاستنزاف الذي تعرضت له على مدى عقود من الاستعمار في تفقير شعوبها واغراقها بالسلاح وتحويلها الى ساحات مفتوحة للصراعات وانتشار الاوبئة.. ولا شك ان الحديث اليوم عن مشروع مارشال لفائدة الدول الافريقية لا يمكن ان يكون محكوما بتلك العقلية الاستعمارية المتعالية التي تصر على الاستنفار ازاء الفيديو الذي تم ترويجه بشأن ظاهرة بيع العبيد في ليبيا، وهي ظاهرة مرفوضة ولا يمكن تبريرها باي حال من الأحوال، ولكننا نراها تتوخى الصمت والتجاهل ازاء سياسة الاستنزاف المستمر التي تمارس على القارة... والحقيقة ان افريقيا التي باتت محل تنافس كل من اليابان والصين وامريكا واوروبا واسرائيل لفرض موطئ قدم لها هناك تعتبر فردوس المستقبل في قاموس الخبراء وفيها أكبر سوق مشتركة لشرق افريقيا وجنوبها.. وهو ما يستوجب أن تكون أهداف مشروع مارشال المطروح لفائدة الشعوب الافريقية ودعم الاستقرار والسلام وخدمة التعليم وأسباب التطور فيها.. وبالعودة الى تونس الافريقية، فلعله من المهم الاشارة الى جولة رئيس الحكومة يوسف الشاهد الافريقية في ماي الماضي والتي شملت كلا من النيجر ومالي وبوركينا فاسو، والتي يتعين أن تكون نتائجها تحت المجهر في تحديد الآفاق المستقبلية لتونس الافريقية التي يفترض أن يكون لكفاءاتها بمختلف اختصاصاتهم مكانتهم وموقعهم المتقدم في الاستفادة من خبراتهم المتعددة.. اليوم يسدل الستار على القمة الخامسة الافريقية الاوروبية ليرفع آخر نحو واقع جديد وعنوان جديد يجعل لزاما على الديبلوماسية التونسية توسيع والرفع من تمثيلياتها في عواصم افريقية تتطلع الى رحلات منتظمة للخطوط التونسية..