الحمد لله أولا واخرا على نعمه التترى , والحمد لله ملئ السموات والأرض على نعمة الصحة والعافية والايمان .. أيام تقارب العشرة عرفت خلالها محنة صحية شديدة كنت أكثر فيها قربى الى الله تعالى... أيام تخللتها زيارة لطبيب الطوارئ وتردد على عيادة الطبيب العائلي قصد متابعة وضع صحي أنهكته حالة من الارهاق ونزلة برد شديدة لم أعرف لها مثيلا في القوة منذ سنوات طوال . التعليمات الطبية ألزمتني تناول مضاد حيوي أتيت على نصفه تقريبا مع حلول صبيحة هذا اليوم الثاني من أغسطس 2007 ميلادية . بعض أفراد العائلة أصيبوا هم الاخرين بنفس الوعكة الشديدة وهو ماجعلني أعاني معهم محنة نفسية نظرا لرقة قلب أبوية تجاه حال الأبناء الذين لم يتجاوزوا السنوات الأولى لمراحل النمو الجسدي والذهني ... صراع بين الجسد المرهق الذي كبلته حمى المرض ومضاعفاته , وبين النفس التي كانت تتوق مع بزوغ فجر كل يوم الى معاودة الكتابة والتحليل ومواكبة الشأن الوطني والعربي وماتعلق بهما من نوائب وشوائب الشأن الدولي أو قضاياه الايجابية ... غير أن الجسد كان في هذا الصراع الجبلي منتصرا حين كسر شوكة القلم ورهنها الى راحة عملية دخلت أسبوعها الثاني مودعة اخر مقال لها عن الجرحين الغائرين في جسد نصف قرن على اعلان تأسيس الجمهورية التونسية ... كنت متوقعا وبنسبة تراوح المائة بالمائة أن قرارا رئاسيا سيصدر بالعفو عن مجموعة من معتقلي حركة النهضة التونسية , غير أنني لم أتوقع العدد تحديدا والأسماء تفصيلا , كما فوجئت باستبقاء الأخ كريم الهاروني ضمن دفعة أخيرة لاخر سجناء هذه الحركة المبتلاة بقساوة التعاطي الرسمي مع ملفها الحزبي والسياسي ... لقد كانت كتاباتي قبيل الوعكة التي أصابتني متسمة بأقدار عالية من الحكمة والديبلوماسية والرغبة في الوفاق, ولقد تعمدت هذا النهج حرصا على الوصول الى تنازل رسمي ملموس في ملف المعتقلين السياسيين الذين تلكأت السلطة على مدار 17 عشر سنة في التعاطي مع قضاياهم . لم تغير الوعكة الأخيرة من هذا التوجه ولم يزده الاستبقاء في المعتقلات على العشرات من أطر وقيادات حزب النهضة والمئات من الشباب المستقل الا تجذيرا , من منطلق ايماني بأن السلطة باتت في مرحلة البحث عن مخرج من الأزمة وبأن معالجتها للملف الحقوقي والسياسي غدت مسألة لم تعد تحتمل التأخير ... نعم أعتبر هذه المرة على عكس مرات سابقة بأن الافراج عن الأستاذ المحامي محمد عبو واطلاق سراح 21 مناضلا وقياديا من حركة النهضة خطوة ايجابية وسليمة تستحق التشجيع , غير أنها لاتفي بالغرض من طموحات النخبة التونسية التي أرهقتها سنوات المحاصرة والتضييق وغبن الحقوق , التي أظن جازما هذه المرة بأنها سنوات لن تعرفها تونس مجددا في ظل ادراك السلطة والرسميين لثمنها الباهض على الصعيدين الداخلي والخارجي بحكم ماتشكله تشوهات الصورة الداخلية على علاقات تونس الخارجية من ترسبات ومخاطر حقيقية قد تصل الى حد استهداف استقلالها الوطني . لقد كان القرار الرئاسي بالعفو عن العجمي الوريمي والدكتور احمد لبيض ودانيال زروق واخوانهم قرارا في محله , غير أننا ننتظر من السيد رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي معالجة قريبة جدا لأهم الملفات الحقوقية العالقة , وعلى رأسها ملفا من تبقى من سجناء النهضة والمئات من الشباب المعتقل مع استحداث تونس لقانون استثنائي ظلم بموجبه الكثيرون من حديثي العهد بالتدين . يراودني شعور عميق بالتفاؤل , كما تصلني بعض المعطيات حول افاق انفتاح سياسي مرتقب ووشيك مع احتفال الجمهورية التونسية بالذكرى العشرين للتحول ... بناء على ماذكرت فلن أعتبر ماحصل في تونس حدثا معزولا أو تنازلا لقوة خارجية بل تطورا طبيعيا حدث داخل السلطة وأجنحتها المتدافعة بين المحافظة والتطوير والاصلاح , وهو مالمحت اليه سابقا على قناة الحوار قبل ثلاثة أو أربعة أيام , مع الأخذ بعين الاعتبار لتضحيات المعارضة التونسية وكل أطياف المجتمع المدني التي ساهمت عبر أساليب الضغط الأهلي والسلمي في حلحلة ملف اختلط فيه الذاتي والموضوعي داخل الأجهزة الرسمية للدولة .