لا يوجد أدنى شك في عقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تعتبر المستهدفة الأولى من قبل الإرهاب الدولي المرتكز على الأصولية الإسلامية، كما هي الحال للولايات المتحدة في أحداث 11 سبتمبر 2001، ول «إسرائيل» التي تصنف حركة حماس في خانة «المنظمة الارهابية»، وإن كان حول هذه النقطة الأخيرة يكلف بوتين محيطه القيام بهذه التمثيلية. وعلى أي حال، فإن تعبير «الحرب العالمية الثالثة» المستخدم من قبل الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية «سي أي ايه» المحافظ الجديد جيمس ووسلي لوصف الحرب ضد الإرهاب الاصولي لا يزعج الروس. إنها تتوافق على الوجه الأكمل مع الرؤية الروسية في نطاق أنها تصرف الأنظار عن الأسباب الداخلية المولدة للإرهاب في روسيا. أما اختلافها الوحيد مع المقاربة الأميركية فتستند على فكرة أن الحرب الباردة مثلت شكلا من الحرب العالمية الثالثة. وزد على ذلك لا يتعب فلاديمير بوتين من تكرار أن بعض الغربيين - العبارة عائمة جدا وتفسح المجال لكل التأويلات من دون تحديد أحد وقد احتفظوا في مقارباتهم لروسيا على «عقلية الحرب الباردة»، لكن عندما يتعلق الأمر بمكافحة شاملة ضد موجة إرهابية تجد جذورها في الأصولية الإسلامية فإنه يتفق تماما مع نظيريه الأميركي والاسرائيلي. ويبدو إذن أن بوتين وبوش وقادة اسرائيل يشاركون في المعركة عينها. إنهم يقومون بالتحليل عينه لإيديولوجية الأصولية الاسلامية ولطريقة الارهاب. إنهم يرون ولكنهم ليسوا الوحيدين في الأصولية الإسلامية شكلا جديدا من التوتاليتارية تذكرهم بإيديولوجيات القرن العشرين. ولا يريد بوش وشارون ومن بعده أولمرت وأنصارهم أن تتكرر سياسة التهدئة مع النازية التي اتبعت في سنوات 1939، اليوم في مواجهة الإرهاب الدولي، وذهب رئيس الحكومة الاسرائيلية أبعد من ذلك، قبل أن يلطف من عبارته لأسباب ديبلوماسية عندما أشار الى أن العلاقات بين واشنطن والسلطة الفلسطينية يمكن أن تكون هي نفسها متماثلة مع شكل من التهدئة. باسم أي شيء يتم خوض الصراع ضد الإرهاب الدولي؟ يقدم الحلفاء الثلاثة الجواب عينه من الناحية الجوهرية، لكن توجد بعض التمايزات تتعلق بالصياغة التي تعكس الاختلافات في تاريخهم وأصولهم الفلسفية والدينية. ولا يتردد جورج بوش من الدعوة الى الله ضد المتطرفين الإسلاميين. ولا يوجد أدنى شك أنه عندما يتعلق الأمر بالصراع بين الخير والشر لا يمكن أن تكون هناك تسوية ممكنة. وفضلا عن ذلك الشر يوجد في ذاته وليس له سبب. والحال هذه من العبث البحث عن تفسيرات له فلا يوجد إلا شيء واحد يمكن القيام به واستئصاله. ليس للقيادات الروسية ما بعد الشيوعية أي مشكل مع هذه الاعتبارات الدينية، فهم يبالغون من حماسهم لإظهار التزامهم بالكنيسة الأرثوذكسية. لا سيما أنهم يرفعون شهادات التعميد بملاطفة رغم أنهم كانوا قيادات حزبية سوفياتية مكلفة فعليا بالتخلص من «أفيون الشعوب» في السابق. في محاولة لتعريف المبادئ التي باسمها يتم التوافق السابق بين القيم «ما فوق القومية» «الأوروبية» قبل التصميم على القيم «المسيحية». وكان شارون يجد صعوبة أكبر في قبول المرجعية عينها فضلا عن أن القيم الأوروبية مريبة للاسرائيليين، لأن وجودها لم يمنع المحرقة من وجهة نظرهم. بكل تأكيد، لا يمكن للقيم الأوروبية أن تخدم العلم، خصوصا الطريقة التي فسر بها الأوروبيون تلك القيم، إذ تجاهلوها أو سخروا منها خلال القرون، لهذا السبب كان قادة اسرائيل يركزون على آثار معاداة السامية إذ لا يجدون أي صعوبة في اكتشافها في المجتمعات الأوروبية. ومع ذلك، عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، صرح أرييل شارون، قائلا: إن «المعركة ضد الإرهاب هي معركة دولية للعالم الحر ضد القوى الظلامية التي تبحث عن تدمير حريتنا ونمط حياتنا. اعتقد أننا جميعا يمكن أن نهزم قوى الشر». وعندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين تسقط التحفظات. «فالقضاء على اسرائيل هي مسجلة في الدليل الوراثي للسلطة الفلسطينية» وفق تصريح وزير الداخلية الاسرائيلي السابق، أوزي لاندو، لصحيفة لوموند. وقد ترجم نائب وزير الدفاع السابق زائيف بولم هذا القول بكلمات قوية جدا عندما أكد أن الفلسطينيين كانوا مصابين «بعيب وراثي» يدفعهم الى قتل اليهود. غير أن الدعوة الى القيم المسيحية للروس كما للأميركيين، هي مسألة حساسة. فلا يجوز تفسيرها على أنها تبني لأطروحة صدام الحضارات، العزيزة على قلب صمويل هنتغتون. وعلى الرغم من أن رد الفعل الذي ظهر لدى قسم من الرأي العام الأميركي عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، بتحويل كل العرب أو كل المسلمين الى مشبوهين، فإن الرئيس جورج بوش حافظ على هذا الخلط دائما، بين الإسلام والإرهاب. لقد ذهب الى الجوامع، وقد كانت له دعوات مستمدة في بعض الأحيان من إيديولوجية المحافظين الجدد، حول قدرة العالم العربي - الإسلامي على الالتحاق بمجموعة الامم الديموقراطية، أكثر من أسلافه الأقل قربا من الأصوليين المسيحيين الذين لم يجدوها. كذلك بوتين عندما يشير الى مرجعية القيم المسيحية فهو يسارع الى إضافة أن روسيا هي بلد متعدد الإثنيات والأديان وتحترم هذا التنوع لكي لا يصدم الأعداد الكبيرة من المسلمين الذين يعيشون أيضا في الجمهوريات التي تنتمي الى روسيا الفيدرالية. وفي مجالسه الخاصة، عندما يتحدث الى القيادات الغربية، يكون فظا: فهو يقدم روسيا على أنها معقل مسيحي بامتياز ضد الإسلام في هذه المنطقة الواسعة الممتدة من القوقاز الى الحدود الصينية - الروسية. إن الجمهوريات المنبثقة من ركام الاتحاد السوفياتي لا تظهر كلها النزعات الاستقلالية للشيشان، ولكن كلها تعاني المد الاصولي الإسلامي. إن انبعاث هوية إسلامية كانت مطموسة من الشيوعية لمدة طويلة، والمشاعر القومية التي تصادمت مع السياسة الستالينية المسماة «بالقوميات»، التي ارتكزت في الواقع على تهجير شعوب بأكملها نحو أقطار غريبة عنها كليا، وإعادة رسم الحدود لتجنب تشكل جمهوريات متجانسة، هي عوامل كلها أسهمت في انبعاث حمى الهوية التي تستولي على مشاعر وقلوب الشعوب المحيطة بروسيا. وترتكز سياسات بوش، وبوتين، وشارون على معادلة بسيطة: حماس تساوي القاعدة، وهذه الأخيرة تساوي إرهابيين إسلاميين في روسيا. ف «بن لادن» كان يستند على نظام الطالبان، مثلما تستخدم حماس السلطة الفلسطينية، بينما يتم استخدام الانفصاليين الشيشان كحاجز واق من قبل الأصوليين الذين يريدون تدمير روسيا. وبعد مجزرة بيسلان، وعد رئيس هيئة الأركان الجيش الروسي، بالقيام بضربات استباقية لقواعد الارهابيين في الخارج، مثلما ضرب الأميركيون نظام طالبان. وفي ذلك تساءل بعض المراقبين الروس ما إذا كانت موسكو لم تكن مجبرة للقيام بعمل ما في حال لم يتدخل الأميركيون في أفغانستان، إذ يشكل هذا البلد قاعدة خلفية لانطلاق عمليات ضد طاجيكستان، وهي جمهورية من روسيا الوسطى مستقلة رسميا حيث توجد فيها وحدات من القوات المسلحة الروسية تقاتل المتمردين الاسلاميين. وفي الوقت عينه تعمل الأجهزة الأمنية الروسية مع الاسرائيليين بشكل وثيق للاستفادة من خبرة هؤلاء الأخيرين في مكافحة الإرهاب. وباسم هذا الخلط غزا الأميركيون العراق، بسبب علاقات افتراضية بين صدام حسين وتنظيم القاعدة. وفائدة هذا الخلط أنه يبسط المسألة، ولكنه يحمل في سيرورته كل عيوب التبسيط. إنه يخفي الاختلافات في الأوضاع، والاسباب المحلية والاقليمية للصراعات. وهو يقترح حلا شاملا وسحريا الى حد معين لمشكلات هي من التعقيد بحيث لا يتم اختزالها الى سحر أو وصفات بوليسية. إنه يخدم أهداف الحكومات المعنية في المدى المنظور. وقد نجح جورج بوش في خلق وحدة وطنية في الولاياتالمتحدة الأميركية بعد أحداث سبتمبر 2001، وعلى الرغم من انتقاده من جانب المعارضة العمالية، حافظ قادة اسرائيل على دعم أغلبية السكان الاسرائيليين المتشائمين بشأن إمكانيات حل متفاوض عليه ما استمر العنف. ويحاول فلاديمير بوتين استغلال العمليات الارهابية لتعزيز سياسته السلطوية الداخلية في روسيا، على الرغم من انه ليس مهددا من قبل أي معارضة ديموقراطية جدية. وما أبعد من الوحدة الوطنية، يمكن أن تخدم سياسة مكافحة الإرهاب كذريعة لتشدد النظام، وتقليص حرية الصحافة، والقيام بمناورات عسكرية على حدود روسيا الفيدرالية، أي في الجمهوريات القوقازية غير المنضبطة. في نظر سيد الكرملين، العمليات الارهابية هي أولا وقبل كل شيء أعمال مقادة من الخارج، بما فيها الأعمال التي تديرها بعض الأوساط الغربية، ضد وجود روسيا الفيدرالية نفسها، فهو يدعو الى تضامن الدول الغربية مذكرا إياها ضمنيا أنه عقب أحداث 11 سبتمبر أعلن تضامنه مع الولاياتالمتحدة الأميركية، على الضد من أقرب المستشارين اليه. فيحب الآن أن يعترف له الغرب بجميله. ويذهب الى ما أبعد من ذلك: فهو يعتبر أنه إذا كانت الولاياتالمتحدة الأميركية قد تعرضت لكارثة غير مسبوقة، فإن وجودها بالذات كدولة لم يكن مطروحا من قبل بن لادن. وعلى النقيض من ذلك، فإن الارهاب الدولي، الذي يذكي الاحقاد في الأوساط الانفصالية داخل القوقاز، يلغم الأسس عينها التي تقوم عليها روسيا، وبشكل صريح ما تبقى من تلك البلاد الكبيرة بعد غياب الاتحاد السوفياتي. لقد حذر كثير من المراقبين، أن العلاقات الدولية بعد أحداث 11 سبتمبر، لن تكون كما كانت عليه في السابق، فتحطيم برجي مركز التجارة في نيويورك، والعملية ضد مقر البنتاغون، شكلا تحولا أكثر أهمية من تحول ميونيخ في عام 1938، إذ إن حصار برلين، أعطى إشارة بدء الحرب الباردة، بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ. لقد اخترغ فرانسوا هيسبورغ، مدير مؤسسة البحث الاستراتيجي، مصطلح «الارهاب المفرط»، من دون أن يقدم مع ذلك البداية والنهاية، لكل التحاليل. بينما حذر آخرون من الشرح التبسيطي الذي يطمس بقاء الصراعات التي لم تجد حلا لها منذ وقت طويل، إذ لا يجوز نسيان أسبابها تحت ذريعة خوض «الحرب الشاملة ضد الإرهاب». ما بين الرؤيتين الطريق ضيقة. إن رفض رؤية الراديكالية الجديدة التي ظهر بها إرهاب الجماعات الأصولية خلال السنوات الأخيرة، وتجاهل أسسه الإيديولوجية لإسلام غير مفهوم في الغرب، يقود الى خطر الانتقال الى جانب شكل جديد من البربرية. ولا يوجد إلا اليمين الأميركي أو الاسرائيلي، المسنود من قبل القوميين الروس، هو الذي يتبنى هذه الرؤية. ويحذر مناضلو الحركات المناهضة للتوتاليتارية في السنوات من 1970 إلى 1980، من الوقوع في هذا المحظور. ولكن إرجاع الكل (الإرهاب) الى سبب واحد ووحيد لا يمكن إلا أن يغذي الغموض، وبناء تحالفات مشبوهة مع شركاء غير جديرين بالاحترام أحيانا، والتغاضي عن الأسباب الواقعية لتلك الاضطرابات الحقيقية، وأخيرا ترك التيرب الذي يتكاثر عليه الإرهابيون. *كاتب تونسي أرسل الى الوسط التونسية بواسطة الكاتب التونسي توفيق المديني.