قد يتبادر إلى أذهان الذين سمعوا الرئيس الأمريكي بوش وهو يوجه لوما بخصوص «أوضاع» الديموقراطية في روسيا والذين لاحظوا حدة في لهجة الرئيس الروسي بوتين ضد الإدارة الأمريكية أن الحرب الباردة قد اتخذت مكانا لها في العلاقات بين القوة العظمى الوحيدة في العالم وبين وريثة الاتحاد السوفياتي وأن الساحة الدولية ستشهد تأثيرات لهذه الحرب. والواقع أن انتقادات بوتين الشديدة للدرع الفضائي الأمريكي جعلت بوش يمازح بوتين حول الديموقراطية في روسيا التي اكتشف بوش أنها لا تلتزم بالمعايير التي وضعها لها وهو ما حمل عديد المراقبين على الحديث عن حرب باردة بل إن بعضهم كان أكثر ذكاء ومعرفة بخبايا الطرفين تحدث عن حرب «دافئة» وهي بلا شك صفة دقيقة تنطبق على حالة العلاقات الأمريكية الروسية الأقرب الى الدفء منها إلى البرودة. فمنذ هجمات 11 سبتمبر 2001 أصبحت العلاقات الروسية الأمريكية قائمة على أساس تحديد مناطق النفوذ وعلى المصالح المشتركة خصوصا فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب التي أيدها بوتين دون أي تحفظ ما دامت الإدارة الأمريكية لن تنبش في بعض المسائل والملفات الروسية مثل الوضع في الشيشان الذي أسال في الماضي حبر منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان ثم سرعان ما جف بمجرد غض روسيا الطرف عن الحرب على الإرهاب إلى حد السماح لقوات أمريكية بالمرابطة في قواعد على مقربة من حدود روسيا . ولذلك يعتبر الحديث عن حرب باردة مجرد إسقاط مفهوم قديم على وضع جديد لا يحتمل تأويلا أو مبالغة خصوصا على خلفية وفاق واضح بين واشنطن وموسكو لن تعصف به قضية الدرع الدفاعي الفضائي بل ربما استخدمت روسيا القضية لطمأنة قطاع من القوميين الروس بأن روسيا لا تهمل المسائل الأمنية التي تهمها مباشرة وكذلك للإيحاء لجانب من الرأي العام العالمي الذي مازال يحن إلى توازن في القوى على الساحة الدولية بان روسيا مازالت لها كلمتها. ولا شك أن هناك ملفات عديدة تحظى بانسجام مواقف البلدين تجاهها فإضافة إلى الحرب على الإرهاب تتفق وجهات النظر حول القضية الفلسطينية وحول الملف النووي الإيراني حتى وإن كانت هناك بعض الخلافات الشكلية وربما لا يخفي البلدان وحدة المصالح في مراقبة نمو القوة الصينية وتأثيراتها المحتملة على آسيا وعلى الموازين الجيواستراتيجية مستقبلا. لقد أظهرت تطورات الأحداث منذ انهيار الاتحاد السوفياتي انفراد الولاياتالمتحدة بالزعامة في العالم ونزوعها إلى الهيمنة عبر مفاهيم نشر الديموقراطية او الدفاع عن حقوق الإنسان ..فعندما تتحرك أمريكا وتصمت روسيا فان ذلك يعني وفاقا وعندما ينتقد البلدان بعضهما البعض لا يعني ذلك سوى اختلافات في بعض التفاصيل دون المساس بالجوهر.