لقد تحدّثت في مقال الأمس عن أرشيف البوليس السياسي وقلت ما قلت، دون أن أبيّن أنّ مفهوم البوليس السياسي هو مفهوم مصري تناقلته... الشخصيات الحقوقية والحزبية المعارضة زمن بن علي، أظنّها متأثّرة بالأفلام المصرية في غياب شفافية المنظومة الأمنية التونسية وتعتيمها التعتيم الكلّي، عن عن هيكليّتها، وعن أوامر تنظيمها وكيفية إشتغالها، وعن مرجعيات خططها ووظائفها، وهي فرصة لكي أعطي تعريفا تونسيا لهذا المفهوم المصري، فالمقصود بالبوليس السياسي، هو كل الهياكل الأمنية التي تعنى بمتابعة الشأن العام في مختلف مجالاته السياسية والإجتماعية والدينية والإقتصادية والتربوية والثقافية والحقوقية والجمعياتية التي تهم البلاد التونسية، سواء في الداخل أو في الخارج، وكانت تستهدف جميع الشرائح الإجتماعية بما فيها الشرائح الأمنية والعسكرية والقضائية، وقد كانت في السبعينات مصلحة مخصّصة لذلك تسمّى مصلحة الشؤون العامة، نفس هذه المصلحة تضخّمت لتصبح إدارة فرعية ثمّ إدارة في زمن بورقيبة، ثمّ إدارة، فإدارة عامة أولى، فإدارة عامّة ثانية، وإدارات فرعية ومصالح ومكاتب بكافة هياكل قوات الأمن الداخلي، كلّها تعنى بالشأن العام، وهذا هو مفهوم البوليس السياسي. وقد كنت تحدّثت بالأمس عن مآل أرشيف البوليس السياسي، هاته الذاكرة الحيّة للفاعلين الناشطين وغير الناشطين في الشأن العام، وها أنا ذا أتحدّث اليوم عن أرشيف البوليس البوليسي La police de la police المفهوم الفرنسي في الذهن التونسي لهيكال الرقابة والتفقّد، وأقصد التفقّدية العليا لقوات الأمن الداخلي والديوانة التي أحدثت سنة 2004 وأذن بحلّها خضوعا للتهديد السيد فرحات الراجحي في فيفري 2011. ولأنّني لست بشجاعة محافظ الشرطة أعلى سمير الفرياني الذي تحدّث عن إعدام جزء من الذاكرة الوطنية في أرشيف الإدارة العامة للمصالح الفنية بوزارة الداخلية وكلّفه ذلك أربعة اشهر سجنا، ورغم ذلك فقد أعاد التأكيد على خطورة هذا الفعل في ندوة نظمتها إحدى الجمعيات التي تعنى بنشر الثقافة الديمقراطية يومي 12 و13 نوفمبر 2011، فإنّني سأكتفي فقط بالسؤال: أين الذاكرة الحيّة؟ أين أرشيف التفقّدية العليا لقوّات الأمن الداخلي والديوانة؟ أين إطاراتها؟ أين أعوانها؟ أين دفاتر صادرات إداراتها؟ أين دفاتر وارداتها؟ أين ملفّات الفساد التي إشتغلت عليها وكانت تهمّ كبار المسؤولين الأمنيين؟ أ