لقد قلت في المقال السابق بأنّ بن علي أعدم خنقا في صناديق الإقتراع ودفن في قوارير الحبر الأزرق، وهو تشبيه نفسي لإعدام جماعي رمزي لرئيس إستنزف دماء شعبه،... واستباح أملاكه، وهتك أعراضه، وقمع أحلامه، ولمّا ثار عليه وفرّ حيّا هاربا، بقي الشعب في وضعيّة نفسية معلّقة، فهو لم يستطع أن يعرف حقيقة التجاوزات، ولم يتمكّن من محاسبته ولا مساءلته ولا محاكمته، ولم يسمع الشعب إعتذارا منه ولا إعتبارا له، ولم يستطع أن يعرف المشاركين الحقيقيين لهذا الإستنزاف وهذه الإستباحة، وهذا الهتك وهذا القمع، وهو لم يتمكّن من إقتلاع السرطان كاملا من جسده، ولم يقتلع بعد جذور الفساد المترامية في أعماق المنظومة الأمنيّة والقضائية والإعلامية. إلاّ أنه وبعد إعلان النتائج النهائية، لاحظت بأنّ نسبة كبيرة من هذا الشعب المستنزفة دماؤه والمستباحة أملاكه والمهتوكة أعراضه والمقموعة أحلامه، خرج لإعدام بن علي خنقا في صناديق الإقتراع، وأنّ نسبة أخرى ممّن شاركوا بن علي جرائمه، وشاركوه فساده، وشاركوه بغاءه، وانتفعوا بوجوده على رأس السلطة، خرجت لتحدث ثقوبا داخل صناديق الإقتراع حتّى لا يموت بن علي، وحتى تفشل عمليّة الإعدام، وحتى يعجز الشعب عن قبول العزاء ويبقى في اكتئابه، مريضا، غير قادر على النهضة ولا التكتّل من أجل الجمهورية. فأيّة عريضة شعبيّة نكتبها ولأيّ قناة مستقلّة نوجّهها؟؟؟