بسم الله الرحمان الرحيم حدبا على الشباب و رأفة به عندما أنظر في حال الوطن و أرى أن أغلب ناسه من الشباب . و عندما أنظر في حال الشباب و أرى ما هو عليه ، أهتمَ و أغتمَ. و عندما أتجول في الشوارع و الأسواق و أنتقل في المدن و القرى و الأرياف. و عندما أمر أمام المدارس و المعاهد و الجامعات و أرى الطلاب و قد اكتظت بهم المقاهي في ساعات الدرس تعلو الجميع مسحات من القلق و الحيرة. و عندما أمر أمام الملاعب بمناسبة بعض المقابلات الرياضية أو بعض الحفلات الغنائية و أرى الصفوف الممتدة لأوقات طويلة لشباب من مختلف الأعمار و هم يتدافعون من أجل تذكرة لمشاهدة تلك المقابلة أو ذلك الحفل ، لا يكلون و لا يتعبون و لا يكترثون لا بالوقت و لا بالمال، فمن أجل الفريق المفضل أو الفنان الحلم يهون كل شيء. و حين أستمع إلى أحاديث الآباء و الأمهات و رجال التربية و التعليم في مختلف المستويات و عموم الكبار ، أدرك كما يدرك غيري أن هناك مشكلات و مشكلات كبيرة تخلف الهم و الغم و تدعو إلى الإنزعاج . و أنا لن أذهب مذهب غيري في تحميل المسؤولية للشباب و توجيه اللوم إليه و بالتالي إعفاء الأسرة و المدرسة و المعهد و المجتمع ... من المسؤولية ، و لكن سأحاول أن أنظر إلى الموضوع بموضوعية و قدر من العلمية حتى أقف على حقيقة المشكلات بما يساعد على إيجاد الحلول الصحيحة ، خاصة و نحن على مشارف السنة الدولية للشباب . و سيكون حديثي مساهمة متواضعة من شخص مهموم بالشأن العام و مؤمن بأهمية الشباب في صياغة المستقبل و يريد للشباب أن يأخذ موقعه و تكون له مكانته إذ أنه معني أكثر من غيره بالمستقبل ، و الكبار و من فاتوا الخمسين خاصة مسؤولون مسؤولية كبيرة على إصلاح أخطائهم و الإعتراف بمسؤوليتهم و تقديم كل العون للشباب و إسناد الأمر إليه تدريجيا و نقل الخبرة إليه و تشريكه في كل الأمور و تمتيعه بالثقة المطلوبة لينطلق في الإبداع مستفيدا من همة الشباب و عزمه و فتوته و سهولة تعاطيه مع الجديد و الحديث و المناهج و الوسائل الجديدة التي هي عسيرة على الكبار. ان المآل الذي آل إليه الشباب هو نتيجة طبيعية و حتمية للأوضاع التربوية و النفسية و الإجتماعية و الثفافية و السياسية التي عاشها خلال السنوات العشرين أو أكثر أو أقل ، و هذه مسؤولية غيره ، بداية من الأسرة ثم المدرسة ثم المجتمع بكل مكوناته من أحزاب و منظمات و مقاه و ملاه و وسائل اتصال و ثقافة و تعليم و غير ذلك. فالشاب الذي يعيش منذ طفولته الأولى أوضاعا سوية من حيث الحضن الدافئ و الحنان الكافي و التربية المتوازنة و التعليم الرشيد و الأوضاع الإقتصادية العادية و تتوفر له فرص التوجيه و التكوين و التعليم و التدريب و الإحاطة الواعية ، سيكون في النتيجة سويا مؤهلا لتحمل المسؤولية قادرا على الإفادة و الإبداع، أي مواطنا صالحا أهلا لتحمل المسؤولية. أما الشباب الذي يعيش طفولة مضطربة تتقاذفه رياض الأطفال و المحضنات ، لا يتمتع لا بدفء و لا بحنان ، ثم مدارس و مدرسون قلت أهليتهم و فتر فيهم الإيمان و وجههم الإحتياج وجهة مادية فتخلوا كارهين و أحيانا عامدين عن وظيفتهم التربوية و التعليمية و كان لذلك أثر سيء و كبير على الأجيال من حيث الكفاءة و التربية و الأهلية. ثم تلقي به المدارس و المعاهد في مجتمع مستقيل أخذت المقاهي و الملاهي حيزا كبيرا فيه و ما في ذلك من إهدار للوقت و المال و من إفساد للأخلاق و تهديد بالإنحراف باتجاه المخدرات و إباحية العلاقات و غيره . ان هذا الشباب سيكون بالنتيجة مواطنا مشكلة و مسؤوليته في ذلك محدودة بحسب ما وصًفت ، و هو عبء على نفسه و عبء على أسرته و عبء على المجتمع و الدولة، و لا يكون العلاج في توجيه اللوم إليه و لا في معاقبته و لا في البكاء على المصير الذي آل إليه، و لكن في الأخذ بخلاصة الاستشارات الوطنية و آراء الخبراء من علماء اجتماع و مفكرين و دارسين و أطباء نفسيين ، و الإصلاح ممكن و التدارك مطلوب و فريضة و هو مسؤولية الأسرة و المدرسة و المجتمع و الدولة و لا عبرة بشعارات مرفوعة لا يتبعها عمل جاد ، و لا عبرة باستشارات بذلت فيها أموال و جهود كبيرة لا يتبعها تخطيط واضح و إنجاز ناجز و مشاركة و تشريك و تعاون كامل. و ينبغي أن تنهض الجمعيات و المنظمات و الأحزاب بدورها في الرعاية و التوجيه و الإحتضان. و ينبغي أن تتواضع الدولة – و ليس في ذلك عيب – فتعترف بتقصيرها و قصورها و عجزها – وحدها- عن رفع التحديات و إيجاد الحلول لما تراكم من مشاكل. و في المجتمع خبرات كثيرة و طاقات كبيرة تستطيع أن تعين – بدون أجر و لا طمع في وجاهة و لا مال – على الإقتراح و على النظر و على العمل ، نهوضا بالواجب و شعورا بالمسؤولية و مشاركة في تأمين مستقبل أفضل للناس و للوطن. و يجدر و أنا بصدد تناول هذا الموضوع الخطير و الشائك أن أنبه إلى مسائل مفاتيح: أ – ان الوطن محتاج في هذا الوقت الدقيق لأن يتدارك أمره و ينتبه لطبيعة التحديات المطروحة عليه – و هذا هو شعار المرحلة كما أقر رأس السلطة- و لا ترتفع التحديات إلا بعد تشخيصها و الإقرار بأنها مسؤولية المواطنين جميعا – دولة و مؤسسات و منظمات و أحزاب و أفراد. كما لا يكون إلا بقيام مصالحة وطنية و وئام وطني تبادر إليها الدولة و توفر لها شروطها و تسعى إليها بكل جدية تنقية للمناخ السياسي و تطمينا للناس و توفيرا لأجواء الإقبال الطوعي و الإيجابية و العطاء و إنهاءا للإقصاء و الإستثناء و إقناعا للمواطنين جميعا بأنهم معنيون بالتنمية الثقافية و السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية. ب – ان المواطنين و في مقدمتهم الشباب يحتاجون لمبادرات و أعمال و أفعال تجدد ثقتهم في الدولة و مؤسساتها ، فالناس محتاجون لنشر العدل في كل وجوهه و دفع كل أشكال الظلم باعتباره مؤذنا بخراب العمران ، و لا يمكن لأحد أن ينكر أو يخفي كثيرا من مظاهر الظلم و أشكاله و لا يستطيع أحد أن يغطي على ما جرى و يجري و هو حديث الناس في سرهم و جهرهم و هو مدعاة للقلق و الإنزعاج و يستدعي الحزم و الشجاعة و العلاج السريع و الجريء و إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، أي أن السلطة تقدر لو فهمت الصيرورة التاريخية و نهضت بواجبها و وجهها الحرص على تأمين المستقبل، أي مستقبل الوطن و شبابه و وقايته من الهزات و الثارات و الصراعات لأن الشباب الذي لا يجد شغلا و لا مالا و لا فرصة للتعبير و التنظم و الإبداع و لا يجد من يأخذ بيده و يوفر له فرصة العمل الكريم و التدريب و التأهيل ، خاصة و هو منفتح بوسائل الإتصال العصرية على العالم و يعيش صراعا حادا بين المؤمل و الواقع. ان هذا الشباب قد يهتدي إلى هجرة و قد يضطر إلى الإنحراف بكل أشكاله و قد يقع في منطق الثأر سواء كان بطشا بالآخر أو (إرهابا) أو انطواء و إهدارا للوقت في المقاهي و الملاهي و الملاعب أو تهيؤا للإنفجار في أي وقت فيتضرر هو نفسه ابتداءا أو تتضرر الأسرة و المجتمع و الدولة . ان السلطة تقدر – لو سمعت و فهمت و أصغت لمواطنيها و نخبها و تواضعت للحق – تقدر أن تؤمن المستقبل و تجعل من الشباب عامل نهضة حقيقة. كما أن النخب و الأحزاب و المنظمات و أهل الرأي و المشورة تستطيع – إن هي خرجت من الإنتظارية و السلبية إلى الفعل و الإيجابية- تستطيع أن تشارك و تمارس حقها في دفع الظلم و إشاعة قيم الحرية و العدل و المساواة الضامنة للإستقرار و المعينة على العمل الإيجابي. و ليس طبيعيا أن تكون الأحزاب و المنظمات و الجمعيات و الإتحادات خاوية من الشباب غير قادرة على التأثير فيه و استقطابه و تأطيره و تتعلل بعلل باطلة في أغلبها. ج – ان أفضل الوسائل لتأهيل الشباب و إعداده ليتحمل المسؤولية و يشارك في النهضة و يكون أهم شرط في صياغة المستقبل ، و إن أفضل ما يقدم للشباب و يحقق فعليا الشعارات المرفوعة هو: 1- أن يعاد النظر المستبصر في مناهج التربية و التكوين و التعليم – و هو أمر عليه إجماع ، و لا يحتمل التأخير – و أن يوكل ذلك إلى أفضل الخبرات و هي متوفرة ، ليقع التدارك في أقرب الأوقات. و أن تكون هذه مهمة الدولة و المجتمع جميعا بكل مكوناته و دون مكابرة و لا استثناء. و أن يكون الإصلاح جريئا شاملا متكاملا تنزل فيه الهوية و اللغة منزلتها الطبيعية ، و تكون التربية بعدا أساسيا في أوسع مفاهيمها، و تكون العلوم حاضرة في مختلف مشاربها ، و يكون التدريب العملي و التأهيل للحياة شرطا أساسيا و مرتبطا بمعنيين أساسيين ، الأول أن يكون مستجيبا لحاجات الوطن عامة و الثاني أن يكون إعدادا للشباب حتى يصيروا قادرين على النفع و الإنتفاع مستغنين عن الآخرين أعزاء بعمل أيديهم و إبداع عقولهم . فاضل البلدي