أوضح في البداية أنني لا اعبر إلا عن رأي شخصي متواضع لا عن كل التونسيين والتونسيات ولا اشكك في نوايا «دعاة المناشدة » ولا في حرصهم وحبهم لبلادهم التي نريدها لكل التونسيات والتونسيين جميعا، ولكن من حقي أن أتساءل عن دوافع هذه «المناشدة » السابقة لأوانها : 1 فالمدة الرئاسية ماتزال في بدايتها ورئيس الدولة أمامه برنامج انتخابي انتخب على أساسه. ولا أظن أن له الوقت للتفكير في غير انجاز نقاط هذا البرنامج وهو رئيس لكل التونسيين والتونسيات . 2 وهو الأخطر أن دعوة المناشدين والمناشدات تُخفي أمرا مشؤوما خطرا وهو الدعوة جهارا إلى خرق دستور البلاد، وهو قانون القوانين وأعلاها، وهذا أمر على حد علمي يضعهم تحت طائلة المساءلة القانونية إذا كنا حقا في دولة القانون والمؤسسات. 3 إن أهم شعار لعهد السابع من نوفمبر هو علوية القانون ولا احد فوق القانون ودولة القانون والمؤسسات، وهي لعمري جوهر النظام الجمهوري فما بال جماعة المناشدة يسيئون إلى توجهات رئيس الدولة والنظام الجمهوري ؟ 4 إن المعاينة الصادقة تثبت لنا أن التونسي تعود على عدم احترام القوانين )قانون الطرقات، منع التدخين، النظافة في المحلات العامة والطرقات، الإدارة، الملاعب ...( بل إن البعض منا يتبجح ويتباهى بمجاوزة القوانين، فأي قدوة نقدمها للشعب بالدعوة إلى خرق دستور البلاد؟ وأي مصداقية بقيت للقاعدة القانونية؟ وبأي وجه سندعو التونسيين والتونسيات إلى ضرورة احترام القوانين؟ إن القدوة الحسنة تبدأ من أعلى هرم السلطة لا من قاعدتها. 5 إن الحجة الأساسية لدعاة التمديد عفوا خرق الدستور هي الخوف على مصير البلاد وعلى أمنها واستقرارها، والثقة التامة في شخص رئيس الدولة وقدرته وحده على ضمان الاستقرار والطمأنينة. لا أنازع في المكاسب التي تحققت في عهد رئيسنا جميعا، ولكن ما من زعيم مخلد والحكمة تقتضي مناشدة رئيس الدولة القيام بالإصلاح السياسي الحقيقي الجدي، تمهيدا لمرحلة جديدة انتقالية تهيئ الأجيال الجديدة من الشباب لتحمل المسؤوليات والقيادات في جميع المجالات، ألسنا في سنة الشباب؟ إن ما ينتظره الشباب هو إطلاق الحريات الإعلامية والفكرية والسياسية ونبذ النفاق والانتهازية والتمجيد وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية أو الفئوية أو الجهوية، ولنتذكر «لو دامت لغيرك ما آلت إليك.« 6 أخيرا أفهم، ولا أتفهم ولا أتهم، أن رجل أعمال مستفيد من الوضع الحالي سواء بالتهرب من الضرائب المتخلدة بذمته أو التلاعب في مجال المنافسة الاقتصادية أو موظفا أو إطارا ساميا أو نائبا عن الشعب ترتبط مصالحه وامتيازاته بالولاء لمن ولاًه لا أن يناشد طوال الوقت بل أن يقاتل متمسكا بمصالحه مع احترامي لرجال الأعمال الشرفاء والمخلصين وهم كثيرون، لكنني لا أتفهم أن قلة قليلة محظوظة مستفيدة من الوضع الراهن ترتهن مستقبل البلاد وشبابها من اجل مصالحها الضيقة. 7 إني أدعو كل الشرفاء الكرام النزهاء من أهل الفكر والقلم والصحافة ورجال المال والأعمال وكل وطني ووطنية يهمه مستقبل البلاد أن يدلوا بدلوهم في هذا الشأن وكل رأي محترم في ذاته إذا كان نابعا من الصدق والإخلاص ونكران الذات والشجاعة الفكرية وما أحوجنا لكل هذه الخصال. ------------------------------------------------------------------------ ------------------------------------------------------------------------ شباب تونس يرفض المناشدات شهدت السنة السياسة الحالية بداية سخنة بعد اطلاق السلطة حملة مناشدة الرئيس الحالي للتمديد في ولايته الرئاسية فترة اخرى ، وهو ما اعتبرته بعض احزاب المعارضة خرقا للدستور في حين اكتنف الغموض مواقف احزاب اخرى . ويبدو ان جدل المناشدة تجاوز مقرات الاحزاب السياسية الى الشارع وخاصة الى الشباب بمختلف انتماءاته. ولم يخرج حوار الشباب المنتمي للاحزاب السياسية المختلفة كثيرا عن دائرة المواقف الحزبية التي يتبناها كل فريق، فشباب الحزب الحاكم يدافع عن مناشدة الرئيس الحالي بما يقول انها انجازات حققها لتونس وان لا بديل في الساحة يمكنه ان يضمن الاستقرار والامن اللذين تتمتع بهما بلادنا. وحاول هؤلاء الشباب الالتفاف على اعتراضات شباب المعارضة حول مسالة انتهاك الدستور بالقول ان ارادة الشعب من خلال المناشدة والاستفتاء هي من صميم العمل الديمقراطي. شباب المعارضة منقسم في مواقفه انقسام الاحزاب التي ينتمي اليها، وإذا كانت مواقف بعض شباب ما يسمى بالموالاة تبدو اكثر جراة ووضوحا من مواقف قياداتها فان شباب المعارضة الجدية كما تسمي نفسها تجاوز في كثير من نقاشاته التي تتعلق بموضوع المناشدة كثيرا من الضوابط التي تحاول الاحزاب الالتزام بها. و بالعودة الى الفضاءات الافتراضية التي تستوعب حوار الشباب المتحزب حول قضية المناشدة يمكن القول ان استقطابا ثنائيا حادا ارتسم على صفحات الشبكةالعنكبوتية بين مناشدين وهم اساسا شباب الحزب الحاكم ورافضين للمناشدة جمعوا بين شباب احزاب المعارضة علىاختلاف مواقفهم، مع فوارق جزئية لا تغير من الامر شيئا . بعيدا عن مواقف الشباب المتحزب يمتلئ الشارع التونسي بأصناف اخرى من الشباب يأتي في طليعتهم خريجو الجامعات ممن لهم اهتمام بالشان العام دون ان يكونوا انتموا لاي حزب سياسي. وتتميز مواقف هؤلاء غالبا بمحاولة اضفاء واقعية اكثر على تحاليلهم، فحسين ) خريج علوم اقتصادية ( رغم رفضه لمنطق التوريث والتمديد لا يخفي خشيته مما سماه بحالة الفراغ التي قد تؤدي بالبلاد الى المجهول في ظل عجز المعارضة عن تقديم بديل يحظى بالشعبية اللازمة لاحداث التغيير كما قال، مضيفا ان تحليله للامر يختلف عن منطق شباب الحزب الحاكم الذين ينطلقون من مسلمة ان المعارضة ليس لديها ما تقدمه ازاء مرشح الحزب الحاكم بينما يرى حسين ان المعارضة تحتكم الى طاقات هائلة وقادرة ، غير ان مشكلتها هي العجز عن الالتحام بالشعب وتقديم بديلها اليه. اما احمد )استاذ عربية( فقال ان سؤال انت مع المناشدة ام ضدها يذكره بحرب الخليج الاولى حين هيمن على خطاب الاطراف السياسية في الجامعة سؤال انت مع الضم ام ضده وهو سؤال مغلوط حسب رايه لانه يعمي عن القضية الجوهرية التي هي جهد المعارضة اليومي داخل المجتمع من أجل توفير الشروط الضرورية للتغيير عوضا عن «جدال لفظي » تدفع السلطة نحوه بكل قوة حتى لا تغادر المعارضة إلى مواقع الفعل الحقيقية التي تثمر وضع حدّ للتلاعب بقيم النظام الجمهوري. فئات أخرى من الشباب ممن لا يبدو عليها اهتمام كبير بمتابعة الشأن العام فضل بعضها ترديد المثل الشعبي «إذا خصيمك الحاكم اشكون بش تخاصم » في حين قال آخرون «من تعرفه خير ممن لا تعرفه » اما فيصل ) نجار( فقال انه لا يفهم في السياسة كثيرا لكن «تبديل السروج فيه راحة » حسب قوله. هكذا تراوحت مواقف الشباب التونسي من قضية المناشدة التي بادر اليها الحزب الحاكم مستبقا زمن انتهاء الولاية الدستورية الاخيرة للرئيس الحالي ومحاولا فرض اجنتدته السياسية الخاصة في بداية سنة سياسة تبدو حبلى بالاحداث. عبد الرحيم الجابري