تونس:غيب الموت محمد مزالي أحد رواد الفكر والسياسة في تاريخ تونس المستقلة. وتوفي مزالي الليلة الماضية في باريس بعد صراع مع المرض، وخاض حياة مليئة بالإنجازات والصراعات السياسية والفكرية.فقدت الساحة السياسية والثقافية في تونس أحد وجوهها التاريخية البارزة، فقد غيب الموت محمد مزالي رئيس الوزراء الأسبق عن سن تناهز 85 عاما، إذ توفي الليلة الماضية في مستشفى بباريس بعد صراع مع المرض بسبب مشاكل في الكلى. وأعلنت مصادر رسمية في تونس اليوم الخميس(24 يونيو/حزيران) عن وفاة مزالي. ومن المقرر أن ينقل جثمانه وتجري مراسم دفنه يوم غد الجمعة في مسقط رأسه مدينة المنستير(160 كيلومترا جنوب شرق تونس). وقد أشاد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في برقية تعزية لأسرته بخصال الفقيد وبمسيرته "النضالية الطويلة في ميادين السياسة والثقافة والتعليم". ويعتبر مزالي أحد أبرز وجوه السياسة والثقافة في تاريخ تونس المستقلة. نصف قرن من السياسة والفكر وتخرج مزالي في جامعة السوربون وهو حاصل على الأستاذية في الآداب والفلسفة. كما تولى منذ كان شابا مسؤوليات وزارية في الحكومات المتعاقبة في عهد الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة. وعرف مزالي بكونه أحد واضعي سياسة التعليم في تونس بعد استقلالها. ويعتبر مزالي من دعاة الحداثة وتعريب التعليم والإدارة وأنشأ مؤسسات ثقافية وإعلامية من أهمها مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التونسي الرسمي، وألف عديد الكتب وأسس مجلة"الفكر" التي تعتبر أعرق مجلة ثقافية في تونس، كما ترأس اتحاد الكتاب التونسيين، وهو عضو مدى الحياة في اللجنة الأولمبية الدولية.
وتولى مزالي رئاسة الوزراء في تونس من سنة 1980 إلى 1986، لكنه أقصي من الحكم وصدر ضده حكم بالإعدام بتهمة الفساد ومحاولة الإطاحة بحكم الرئيس بورقيبة، لكنه تمكن من الإفلات من العقوبة وفر خارج البلاد عبر الحدود مع الجزائر. وذكر في مذكراته أنه سار على قدميه ليلة كاملة كي يقطع شعاب جبلية على حدود البلدين. ومن الجزائر توجه إلى أوروبا، حيث عاش في منفاه بين سويسرا وباريس، إلى أن اصدر الرئيس الحالي زين العابدين بن علي عفوا عنه قبل عشر سنوات، وأمضى السنوات الأخيرة من حياته بين تونس وباريس. مزالي المثير للجدل ورغم ابتعاده عن السياسة في السنوات الأخيرة من حياته، فقد ظل مزالي إلى وقت قريب قبل وفاته، حاضرا في الساحة الإعلامية والفكرية والسياسية في تونس وخارجها، وصدرا له أخيرا كتاب بعنوان "نصيبي من الحقيقة" وهو عبارة عن مذكراته حول نصف قرن من حياته السياسية والفكرية. وفي كتابه نفى أن يكون قد تآمر للإطاحة بالرئيس السابق بورقيبة وإنما كانت محاكمته، حسب ما ذكر في كتابه، عبارة عن قصة محبوكة مبنية على وشايات مقربين من بورقيبة الطاعن في السن. وذلك في إشارة منه إلى خلفيات الصراعات التي تفجرت بين أجنحة نظام الرئيس السابق بورقيبة في السنوات الأخيرة من حكمه، إذ كان خصوم مزالي يخشون من توليه رئاسة تونس في حال وفاة الرئيس بورقيبة الذي يعتبره مزالي "الأب الروحي" له، رغم أنه وقع على حكم الإعدام ضده. وفي رده على الانتقادات التي كان يوجهها له خصومه السياسيون، كان مزالي يقول عن نفسه إن مشكلته الرئيسية كونه رجل فكر وثقافة وجد نفسه منذ كان يافعا في قلب السياسة، وبأنه ظل يتصرف دائما من موقعه كمثقف في عالم السياسة "القائم على المكر"، كما يقول.