بقلم الحبيب بوعجيلة الفجرنيوز (1) في فترة صباه كان أعزّه الله شهّاد أندية وحين اشتدّ عوده أصبح حمّال ألوية ولما اشتعل رأسه شيبا وتقوّس ظهره أضحى هبّاط أودية وعاشق منحدرات يجرّ خيباته المتتالية في شؤون الفكر والعمل ...وحين رحل قدّس سرّه الى عالم الأزل لم يشعر بموته أحد غير بضعة من مريديه الأغبياء ... لم يكن صاحبنا علما ولم يكن في رأسه شيء من نار المعرفة ولا ألم السؤال ... ولم يفلح في صناعة و لا في فن من الفنون ... وضعه أبوه عند حلاّق الحيّ وخرج بلا فائدة نظرا لندرة اليتامى المستعدّين لتحويل رؤوسهم الى ميادين لتدريباته ولمّا اشتد ساعده قرّر أن يصنع لنفسه ذكرا في ميادين الفكر والسياسة... فانتبذ ركنا قصيّا في سوق الورّاقين وانتدب جملة من الأتباع يصرف على شهواتهم من ميراث أمّه... مقابل نشر دعوته في الآفاق... وحين راجت بضاعة علم الكلام قال بوحدة الذّات والصفات ولكنّه انتهى منه الى مذهب أهل التجسيم ثمّ انتقل الى الفقه فكتب في آداب الجنائز وأركان الغسل وقال في أنواع المغارسة والمكاراة ... ولكنّ العارفين بالفقه وقعوا على زلاّته الكثيرة وعلى بلادة ذهنه في معالجة المسائل العويصة فانسحب من الفقه الى التفسير وفصّل القول في عمق الجبّ الذي سقط فيه يوسف وحدّد موقعه ناحية العريش المصرية وحين اشتغل على لون القميص الذي قطعته امرأة العزيز على ظهر يوسف بان ضعفه في مجال علم اللغة وأسباب النزول فانسحب على طرف أصابعه تحت ضحكات الكتّاب والنسّاخين...وبعد ان ازدهرت العلوم العصرية قطع مع الأصول وصنّف في الامبريالية والعولمة وأفتى في طبيعة المجتمع ونظّر في أساليب التغيير وقبل موته بأعوام اشتغل على طريقه أنداده في مسائل الديمقراطية وحقوق الانسان وأصبح نجما على أمواج الفضائيات يقول في البيئة ومسائل الانحباس الحراري وحجم الثقوب الكثيرة في طبقة الأوزون ... ويتفق أغلب العارفين به أن صفة واحدة لازمته في تقلّباته العديدة بين أصناف العلوم القديمة والعصرية وهي صفة الوثوقية والاعتقاد الجازم... فقد كان جلمود صخر لا تربكه حيرة ولا يزعجه سؤال... يجد جوابا على كلّ معضلة ويعلن حكمه الجازم في جميع المشكلات ... واثق الخطوة ، منتصب القامة يمشي ولا يلوي على شيء. (2) قال الرّاوي: هو أحمق بن سعيد الغبي وقد سمّاه تجّار سوق الكتب أبو العريف بضمّ العين وكسر الرّاء المشددة...وقد كلف رحمه الله أحد أتباعه فأنشأ مصنّفا في تحقيق اسمه وبيّن بالأدلة الوافية أنّ اسمه الحقيقي أحمد بن سعيد الصبيّ ولكنّ الدّال في أحمد قد انقلبت قافا وصاد الصبيّ صارت غينا وذلك من سقطات النسّاخين وفساد القصب الذي به يكتبون ... وبقطع النظر عن صحّة الاسم فإنّ صاحبنا في جميع مراحل حياته الفكرية والعملية لم ينتج غير أتباع منغلقين مطمئنين واثقين... كان سامحه الله يجلس صباحا على دكّته في ركنه القصي من سوق الوراقين يجيب ويأمر ويضع على عيون أتباعه حجبا سميكة أصابت بصائرهم فأصبحوا لا يسيرون الا وفي أيديهم عصيّ بيض يهتدون بها ولهم فيها عند ملاقاة الخصوم مآرب أخرى وهكذا سمّى النّاس أتباعه بالعميان وفي رواية أخرى بأصحاب العصيّ وقد نفرت منهم العامّة والخاصّة وكرههم أهلهم وعشيرتهم الأقربون ... قال الرّاوي أن أحمق بن سعيد قد جعل لأتباعه أمارات وعلامات يقسمون بها الأشياء الى أبيض وأسود وعلمهم معاداة من يخالفهم الأمر حتّى أصبحوا معزولين بين أهل القرى... (3) روى أحد الورّاقين أنّ السّماء أدلهمت ذات يوم من أيّام الخريف وانذرت بمطر غزير فأسرع الوراقون الى دكاكينهم يغلقونها ويغادرون الى بيوتهم قبل حلول الطوفان...ولكن أحمق بن سعيد كان يضحك من خوفهم ويأمر مريديه بالبقاء حتّى يتمّ درسه حول الاحترار الكوني ودور الاستعمار الجديد وحين لاحظ القلق على وجوه أتباعه لعنهم وشتم خوفهم وأمرهم بالطاعة لأنّهم جهلة لا يعلمون ... قال الرّاوي وانفلقت السّماء يومها زمهريرا وفاضت نقر السوق وأفاق النّاس على جثث أتباع الأحمق يجرّها السيل ناحية البحر ولم يعثروا على جثة الأحمق التي يقال أنّها وقعت في بالوعة الركن الشرقي من سوق الوراقين. (4) كل تشابه بين شخصية الأحمق وبعض الساسة أو المفكرين هو تشابه مقصود لأنّ فكرنا وفعلنا العربي يعاني من كثير مثله. (5) مطلوبنا تدوير الزوايا بمبرد العقل وتلطيف طعم الدواء بحلاوة البيان ... فهدفنا أكل العنب لا قتل حارس الضيعة وللزوايا تدوير آخر...