قاصرة تلك القراءة التي تختصر المشهد في قطاع غزة بمشهد تهدئة أو صواريخ أو أنفاق أو جدار فولاذي إلى غير ما هنالك من تفسيرات ومطالعات، فما يجري على خطوط التماس في القطاع الجائع والمحاصر، ليس في واقع الحال، سوى حلقة في سلسلة متعددة الحلقات، تبدأ من غزة ولا تنتهي في واشنطن مرورا بتل أبيب والقاهرة وعواصم محوري "الاعتدال" و"الممانعة". العدوان جاء في سياق رغبة قيادة العدوان في تحقيق نصر انتخابي, وهزيمة المحافظين في الانتخابات الأمريكية، ورغبة الإدارة الأمريكية المنصرفة في تسوية حساباتها مع خصومها، و "تمديد مسار أنابوليس وعباس"، بوصفه نقطة بدء الفصل الأخير في سيناريو تصفية حماس والقضية. ولجعل حماس عبرة لمن اعتبر ومن لم يعتبر من الإسلاميين العرب الذين تحدوا هيبة أنظمتهم وحكامهم. وتصفية الحساب مع محور "الممانعة". ومن هنا كان سحب الغطاء السياسي العربي عن حماس وغزة، وكذلك الغطاء الدولي بعد موقف موسكو المؤيد ل"التمديدين"، لعباس وأنابوليس. إن الانكشاف الواضح للأنظمة العربية في المحرقة لم يعد بحاجة لإثبات، وما لاشك فيع أن بعض العرب ساهموا في الإعداد لسيناريو إسقاط حماس وغزة. وما لا ليس خافياَ تواطؤ وتآمر ارتكبه عباس وجوقته على قطاع غزة، وهناك من الدلائل والمعلومات وخائنات الأعين وسقطات الألسن ما يؤكد الشراكة المباشرة في العدوان. وأن عباس وفرقته شكلا الغطاء للغزاة يمررون من تحته مخططاتهم ومؤامراتهم، ورغم ذلك فإن من الضروري إجراء مصالحة حقيقية مع فريق جيد من فتح على أساس المقاومة والمصالح الفلسطينية. وقد أبرزت المحرقة حالة الفرقان فكان دوراً تركياً متميزاً حكوميًا وجماهيريًا وسياسياً, فيما لعبت قطر دوراً وطنياً وعروبياً مشهوداً. لقد برزت الشعوب العربية في المحرقة أكثر وعيًا، ورفعت المقاومة الفلسطينية منسوب الجرأة لدى الجميع. ولقد برزت المقاومة الفلسطينية الرائعة وعلى رأسها كتائب القسام بوجه مشرف و أثبتت أن سقف الأمة هو سقف المقاومة وليس سقف المساومة الخرق، وأن هناك مفاهيم جديدة للصراع مع الصهاينة ستثبت فيها المقاومة أنها الأجدر لقيادة الأمة، وفي المقابل ستتعرى عروش، وستنكشف سوءات، لأن انتصار المقاومة قد هدد هذه العروش وأبان وظيفتها الحقيقية. لا بد من الاستمرار في ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة الذين يتحملون مسئولية المجزرة المروعة. وعلى صعيد آخر لا بد من الاستمرار في مخاطبة الأحرار في العالم للاستمرار في حملاتهم وشرايين الحياة, وما يصاحب ذلك من إعلام منظم يوضح حجم المأساة التي يسببها الاحتلال، وكذلك المذابح التي يرتكبها قادته. إحياء ذكرى العدوان بالتأكيد على فشل أهداف هذه المحرقة ولا يكون ذلك إلا بالصمود والصبر والثبات. والوفاء للشهداء والجرحى والثكلى والأرامل والأيتام وأصحاب البيوت المدمرة وبإظهار المظلومية التي يتعرض لها شعب غزة الأبي. ولغزة الحق أن تجني ثمار صبرها وثباتها وصمودها، ولا بد من الحذر من المحاولات المستمرة للالتفاف على هذا الصمود. بالتأكيد هذه معركة الأمة وهي معركة مصيرية بالنسبة للقضية الفلسطينية، ويجب التصرف بمسؤولية عالية، فالقضية أمست أمانة في عنق حركة المقاومة الإسلامية، بعد تخلي الجميع عنها، مما أصابهم من تهتك وتفريط وخيانة.