بعد الحوار الحدث مع رشيد عمّار ، يحضرني المثل القائل : تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه .. هذا الرّجل الّذي اكتسب هالته من منطقة الظّلّ الّتي ظلّ يتحرّك فيها منذ الثّورة ، ونسبت إليه بطولات ومواقف ، لا نكاد نعلم الحقيقة فيها من الخيال ، حتّى كدنا نتخيّله أحيانا ويليام والاس أو شارل ديقول ، هذا الرّجل السيرياليّ ، قليل الكلام ، القويّ الحضور في كثير من الأحداث الّتي عاشتها بلادنا رغم إصرار مقصود على تغييبه إعلاميّا ، بغرض المحافظة على الإنطباع الموروث لدى التّونسيّين بأنّ الجيش لا يتدخّل في السّياسة ، ظهوره ليلة البارحة في التّونسيّة بالذّات ، وما رافقه من تصريح وإشارات ، ( رغم كلّ ما يمكن أن يقال من باب التّحليل النّفسي لاهتزازه وضعف حجّته وانعدام كاريزمته ) يعني ببساطة أنّ هناك تحويرا حقيقيّا في عناصر الرّكح الانتقاليّ ، مع المحافظة على النّصّ الأصليّ ونفس الأهداف الاستراتيجيّة .. هذا الرّجل جاء إلى التّونسيّة بغاية واحدة ، وهي أن يعلن ترشّحه للرّئاسة ، بديلا عن السّبسي ، وكان لا بدّ من أن تسير الأحداث بظواهرها الطّبيعيّة لتصل إلى تلك النّتيجة المهضومة بدون أيّة تساؤلات عميقة قد تنتهي إلى صداع في غير وقته ... السبسي يعلن ترشحه للرئاسة لإسقاط قانون تحصين الثورة ... هذا الأمر أربك حسابات الجمهوري وشخصيات أخرى داخل النّداء كان لها طموحها ... نواة تنقلب على السبسي وتنشر فضيحته القاصمة .. التونسيّة تدعو المدير التنفيذي للتونسية كي تجهز عليه من ناحية وتستعيد بخبث ومكر جزءا من مصداقيتها لدى الكثيرين ... قانون تحصين الثورة تحدد له جلسة وأصبح حقيقة واقعة لا هروب منها ... التونسية تهيئ الركح لرشيد عمار في حوار حصريّ ومفاجئ ، يستغلّ ثلثي وقته ليتعاظم ويتطاوس ويستأسد ويتبرّأ من كلّ الشبهات التي بدأت مؤخّرا تحوم حول شخصه ، ثمّ ، وفي مشهد استعراضيّ غريب عن الانضباط العسكريّ المفترض ، يعلن ما يشبه الاستقالة - وهي استقالة لا محالة - من رئاسة الأركان ليكتمل المشهد تماما ، فينزع البزّة العسكريّة ، ويلبس البدلة السياسية المدنية وهنا لانحتاج إلى أيّ ذرّة من الذّكاء لنكمل الفراغ المقصود بما يناسب : إنّه إعلان التّرشّح للرّئاسة ... والبقيّة تتكفّل بها الجوقة ... وإنّ غدا لناظره قريب ...