الحقيقة أنّ الرّدّ ليس على شخصه ، ولا حتّى باعتبار صفته كشاعر ، لأنّ شخصه أصغر بكثير من اسمه الصّغير ، وشعره مهما نفخ فيه من سقاطة الايديولوجيا ، وعلى فرض أنّه ارتقى فنّيّا في هذا الموضع أو ذاك ، لا يخلق منه شاعرا ... الشّعر وإن أبدع فيه صاحبه لا يصنع شاعرا ، الشّاعر يخلق شعرا عظيما ، أمّا العكس فليس صحيحا ... لأنّ الشّعر ليس كلاما موزونا مقفّى أو منثورا أومشعورا ، وليس حتّى مجرّد استعارات وإيحاءات وترميز و و .. الشّعر هو قبل ذلك وبعده رؤية وفلسفة وذوق و رقيّ عن مزابل الحقد الايديولوجي واللّغط السّياسويّ العقيم .. أردت القول إنّ الرّدّ ، إذا جاز في مثل سقطاته ، إنّما هو باعتباره نموذجا لمثقّف تونسيّ مشوّه السّيرة والمسيرة ، بنى أمجاده على نفي الآخر و تجريم القيم الأصيلة في المجتمع ، وتصوّر أنّ أناه المنتفخة هي الغلاف الكامل لكلّ مقوّمات البلاد وأنّ أوهامه هي الحقائق المطلقة ، نموذج صنعته آلة الفرز الايديولوجي في مرحلة من تاريخ تونس ، واستعمل لعقود كحاجز قمعي معرفيّ ضدّ كلّ ثقافة حرّة مختلفة أصيلة ونوعيّة ... أولاد أحمد ، اعتبر أنّ حكومة النّهضة حكومة احتلال ، وأنّ الغنوشي واللوز أخطر من إرهابيّي الشعانبي ، وأنّه حيثما كانت هناك عروبة وإسلام يكون التّخلّف ، وأنّ انتخابات 23 أكتوبر وقع فيها تزوير 500 ألف صوت ، ... كلّ ذلك دون أن ننسى قوله قبيل الانتخابات بأنّه إذا فاز الإسلاميون ، سيسعى لتحشيد الناس في سيدي بوزيد لحمل السّلاح ضدّهم ، وتشبيهه للسلفيّين بالماعز ، وقوله بأنّ الإسلاميين لا يأتي منهم شعراء ، وقوله بأنّه سيُغتال يوم الاثنين المقبل ... ومجال الذّكر في سفاهاته لا يقبل الحصر ... كلّ هذا هو من صميم حقّه الطّبيعيّ في التّعبير عن رأيه .. فماالمشكلة إذن ؟ ليس لي مشكلة ..( على حدّ تعبيره ) ... سوى أنّه ليس صاحب رأي ، بل هو نافثُ سمّ يقذفه مجانا في بيوتنا ، من فم نتن ولغ في كلّ طاسة مهملة ( على حدّ تعبيره أيضا ) ... من شخص يصرّ دائما على أن يثبت لنا المرّة بعد الألف أنّ اسمه ( الصّغير ) ليس مجرّد اسم ، بل هو صفة من صفاته ، بل الصّفة الغالبة في طبعه ... المشكلة ، إن كان لي مشكلة ... أنّ هذا الرّجل يتكلّم ويقدّم لنا بصفته شاعرا ، و بصفته من الخارجين عن نظام بن علي ، وأنا أتساءل عن إنجازاته وهو على رأس بيت الشّعر سوى تكريس الثّمالة والعطالة والابتزاز الثّقافيّ ... أتساءل عمّا يبقى من سيرة شخص يصرّ على أن يعيش في مستنقعات الحقد الايديولوجيّ في أخمج مظاهره الفجّة العارية المقزّزة .. أتساءل عن وزنه النّضاليّ إذا قارن نفسه بأبسط مناضلي الإسلاميّين حتّى من الحركة التّلمذيّة الّذين دفعوا في سبيل حلم الحرّية والكرامة أقدس سنين العمر وضحّوا بالدّراسة والحبيبة و سنوات الأحلام .. أتساءل عن مصداقيّة شخص يكذب على المباشر كما يتنفّس ويتحدّث عن تزوير الانتخابات ( وهي الكذبة الّتي لم يجرؤ عليها حتّى أعتى عتاة المتطرّفين في معاداة النّهضة ، لأنهم ببساطة من الذّكاء بأنّهم يعرفون أين وكيف يكذبون على الأقلّ ..) أتساءل عن ( رئيس هيأة أركان الشّعر وزعيم الثّوّار ) الّذي باع ذمّته لوطاويط الأمس كما باع شعره سابقا بقوارير الخمر الرّديء ( على حدّ تعبيره ) ... وأتساءل أخيرا ... إذا كان مثله ومثل توفيق بن بريك وجلال بريك وعدنان الحاجّي وغيرهم وغيرهم هم طليعة المناضلين اليساريين ، بكلّ هذا العجز والبؤس والتّعاسة وقلّة الحيلة والهوان على أنفسهم ... فكيف يمكن لهذه البلاد أن تعرف يوما حياة ديموقراطيّة حقيقيّة مادام بعض مواطنيها يرون أنفسهم سوبرمانات شعرية أو اقتصادية أو سياسية ، ويرون غيرهم نشارة خشب و هوامش عديمة القيمة على أرض الوطن ... ليت لنا من اليساريّين نصف ناظم حكمت وربع بابلو نيرودا وخمس فؤاد نجم .. إذن لبادلنا بهم الآلاف الآلاف من الصّغار أولاد أحمد ... عبد اللّطيف علوي