كثيرا ما صادفتني المقولة التالية : « لو كان الشعر شعيرا لأكلته الحمير «... والمتأمّل في المفردات / المحور لهذه المقولة « الفلسفيّة « بمفهوم الشارع التونسي، يدرك الرابطة الأليمة بين الآكل والمأكول ... الناتش والمنتوش ... النافش والمنفوش ... الجالف والمجلوف ... على حدّ تعبير سليم دولة . أي هيّ علاقة الفاعل بالمفعول به، من جهة نظر علماء النحو والبلاغة . فالفاعل هم الحمار، والشعر هوّ المفعول به . أيْ الذي ارتقى ( وأقول اِرْتقى ) إلى رتبة . وما إشارتي إلى الشارع التونسي في بداية الخطاب، إلا لأؤكد جملة الأفكار المغلوطة التي يحملها عنْ علاقة الحمير بالشعر / . معتقدا بمساندة المثقف الغبيّ أنّ هذه المقولة، إنما هيّ إهانة للشعر وللشعراء.باعتبار أنها مسبوقة بافتراض قوامه « لو كان «. ولدرايتهم العميقة بالنحو والبلاغة، يفهمون أيّ معنى لذلك الإفتراض . إنّ المثقف التونسي الذي لا يتجاوز الشارع التونسي ( في إشارة للجهالة العمياء ) يشمئزّ من هذه المقولة إلى حدّ الغثيان . لماذا ؟ لأنه يفهمها، مُقْصيا « لو كان « فتتجلّى له المقولة كالتالي : «( لو كان ) الشعر شعيرا أكلته الحمير « . ( 1 ) بغباء مفرط فيه،كنتُ أدعو كلّ الآلهات لتحقيق صدْق هذا القول : من جهة كيْ يكفّ أشباه الشعراء عن اللغو والمماطلة والتملّق على» عتبات الحكام ومائدة الدول الكبرى « . وليراجع الشعراء قدراتهم العقليّة . ومن جهة أخرى، اسْتحالة الشعر شعيرا، يُسْعفنا بتحقيق اِكتفاءنا الذاتي من الحبوب التي تمنّ بها علينا الدول « الصّديقة « . من المنتصر إذن في الأخير ؟ ليس الشعر يا صاحبي ولا الشعراء، ولا حتّى شخصي الكريم الذي قدْ يعقد صفقة مع هذا الشاعر أو ذاك . بل الدول « الصديقة «. لأنّ مقولتنا المذكورة، لا زالت إفتراضا، وستبقى . وبالتالي سيتواصل كرم الأصدقاء علينا وجودهم، إلى أنْ يرث الله الحمير وأصحابها . أما الحمير، فهي المأسوف عليها بامتياز . لأنّ التاريخ ما أسْعفها بتحقيق تلك الفرضيّة . فانْبرتْ تتأبّط شعيرا وتأكل شعيرا وتتغوّط شعيرا ... ولا التاريخ أسْعفها بأنْ تسْتريح من مطالب الإنسان / القرد ، الذي ما اسْتطاع أنْ يجد كائنا يُفجّر فيه ذلك التّصعيد، وتلك الشحنات الهائلة من الحقد والكراهيّة والتسلّط والإسْتعلاء والسيادة ... إلا ذلك الحيوان البهيميّ الأكثر قدرة على الصمْت والطاعة العمْياء . ( 2 ) أنا مثلا، لو كنتُ حمارا لتمرّدْتُ على صاحبي وعلى حفنة التي يمنّ بها عليّ ... كيْ أُشيع بين الحمير مفهوم التحرّر والإسْتقلاليّة والتمرّد على الرداءة وعلى الأوصياء على حقوق الإنسان . ورفعتُ الأمر إلى النقابات الرافضة للقهر والذلّ والإستغلال المميت ... ولأسستُ جريدة أسبوعيّة أو يوميّة باسم « صوت الحمير « ... أنادي فيها بحق الحمار في الدفاع عن نفسه وعن أملاكه وعن جنسه كحمار . وحقه في الإنتخاب والترشّح للمناصب السياديّة دون تعتيم أو منع أو حصار أو تزوير في الإنتخابات . لو كنتُ حمارا ... هذه أمنية لن تتحقّق . ليس بسبب الإختلاف البيولوجيّ بين الحمار والإنسان، ولكن بسبب أنّ أحمرة عديدة اِرْتقتْ إلى مستوى الإنسان، واندحر هذا الأخير إلى الدرك الأسفل من رتب الحمير . بسبب الخلط المتعمّد بين الشعر و .