يشكل موضوع العودة اليوم أحد المواضيع التي احتلت مساحات معتبره على شبكة الانترنيت و بدأت تستأثر باهتمام بعض الفضائيات المهتمة بقضايا حقوق الإنسان مثل قناتي الجزيرة و الحوار و لا شك أن الفضل في ذلك يعود إلى القائمين على هذه المبادرة و في مقدمتهم الأستاذ المناضل نور الدين الختروشي... و المؤمل أن تكون حظوظ المبادرة في النجاح كبيرة خاصة إذا أخذنا في الاعتبار العوامل التالية : أ إن مدة الاغتراب قد طالت بما يكفي ليصبح موضوع العودة على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لجميع المغتربين ... ب أنه قد أفرج على آخر دفعة من مساجين حركة النهضة التي ترتبط بها معظم الشخصيات المنخرطة في المبادرة وهذا من شأنه أن يرفع بعض الحرج الذي كان يشعر به هؤلاء عند إثارة قضيتهم في الوقت الذي يعاني إخوان لهم شدة بلاء السجن و الحصار ج أن السلطة قد غبرت عن عدم ممانعتها في تسوية أوضاع المغتربين و قد فعلت ذلك مع عدد متزايد منهم مما يعطي الانطباع على الأقل بأن العودة أصبحت ممكنة دون أن بزج بصاحبها في السجن على أساس الأحكام التي من المفروض أن تكون قد سقطت بالتقادم أو بموجب الإحالة على ذمة قضايا جديدة من السهل عليها تلفيقها... د أن القائمين على المبادرة يدركون جيدا على ما يبدو مقتضيات الواقع الذي يتحركون فيه و لا يتعلقون بأية أوهام من شأنها أن تجعلهم يعلون من سقف مطالبهم أو ينخرطون في مساجلات سياسوية من شأنها أن تشوش على مبادرتهم و تغلق أبواب الحوار الممكن بينهم و بين السلطة التي يتوجهون إليها بمطالبهم... ه أن المبادرة قادرة على تعبئة عدد كبير من الأفراد الذين تمرسوا على العمل الحقوقي في بلدان مختلفة تمثل المجال الحيوي لتونس في شتى المجالات و بذلك فهم قادرون على إيصال أصواتهم و إبلاغ مطالبهم المشروعة بما سيشكل ضغطا على دوائر القرار على أكثر من صعيد و ينجح مع الوقت في أن يمثل مصدر إزعاج للسلطة لا ينسجم بالمرة مع الصورة التي نجحت في تقديمها عن نفسها في المحافل الدولية. و على هذا الأساس نعتقد أن المبادرة قد أصابت لما حرصت على التذكير بمثل هذه المعاني في نص الإعلان بما يضع الأمور في نصابها و يغني عن أي تأويل غير مفيد ... والمتابع للحوارات و التصريحات التي أدلى بها الأستاذ الختروشي على قلتها إلى حد الآن يلاحظ قدرا لا بأس به من الاتزان و المسؤولية كثيرا ما غابت في مثل هذه المبادرات مما يدل على أن الرهان في هذه الحالة ينصب على تحقيق النتائج المتاحة في مثل هذه الظروف و ليس تسجيل المواقف المبدئية التي قد لا يختلف حولها المغتربون و لكن بينت التجارب أنها لا تصلح إلا كأساس لجدل طويل ينتهي في الغالب إلى اندثار مثل هذه المبادرات مع مرور الأيام ... ونعتقد أن هذه البادرة بما جمعته حولها من شخصيات ذات مصداقية وبما توفر لها من ظروف مواتية و بما جددته لنفسها من أهداف مناسبة و إذا ما حافظت على اعتدال مطالبها و عرفت كيف تفصل بين الملف السياسي و ما يليه من مطالب لم تتوفر بعد شروط تحقيقها و الملف الإنساني الحقوقي الذي يبدو حله من مصلحة السلطة و المعارضة على حد السواء ، هي الرد المناسب و الموضوعي على تلك الخطوات المتسرعة التي قام بها عدد من الأفراد و يعتزم القيام بها إخوة آخرون سيجدون أنفسهم يفرطون في أمور كثيرة بعضها يتصل بالرجولة و النخوة وبعصها قد تخلف الندم و الحسرة وهو نهج لا نرضاه لإخواننا و رفاق دربنا . رغم أنها في الحقيقة غير معنية بالرد على أحد و لا تدعي لنفسها الوصاية على أي كان إنها فقط الطريق الآخر الذي سلكه عدد من المناضلين للكفاح من أجل استرداد حق العودة الكريمة إلى بلدهم ... كلمات أخرى نريد أن نسجلها في سياق عرض هذا الرأي المتواضع وملخصها أننا لا نرى ضرورة في نشر تلك المقالات التي يظن أنها تتصدى لخيار الحلول الفردية الذي اعتمده أخوة آخرون كانوا قد أبلوا البلاء الحسن في المعارك السابقة و لا زالوا مؤهلين للقيام بأدوار أخرى في النضال الذي يخوضه المجتمع التونسي من أجل الحرية والديمقراطية و إشراقة الإسلام ، ذلك أن حركة النهضة تعبر عن تيار شعبي عريض انخرطت طلائعه في شكل حزب سياسي منفتح على كافة شرائح الشعب و ليس جماعة من الجماعات التي تعبر عن وجهة نظر قلة من الناس، فيكون أشبه بالعصابة التي تحكم أفرادها بمنطق " إما أنت معي أو ضدي " و المنفصل عنها هو أحد رجلين إما مطرودا تلزم محاصرته أو خائنا تجب لعنته .. و في المقابل ومع احترامنا لمختلف التوجهات و الآراء فقد غلب على ما كتبه العائدون أسلوب المزايدة التي لا تقدم و لا تؤخر و ليس من شأنها إلا أن تشجع الخصم على التمادي في سياسة الهرسلة و تدمير ثقافة الممانعة و المقاومة التي بدونها لن يكون الشعب التونسي قادرا على حماية حرية الوطن واستقلاله... [email protected]