قضية تجسس المخابرات البريطانية على الأمين العام للأمم المتحدة قبل الحرب على العراق ستثير حتما زوبعة ولكن... في فنجان. كوفي عنان نفسه يَعلم علم اليقين أن القوى العظمى تتنصّت عليه ولا تنصت إليه... والدول العظمى التي تلطم صدرها وتصرخ «يا للهول فضيحة في الأممالمتحدة!» إنما تفعل ذلك في اطار الرّياء الدولي الذي لا ينال شرفه إلا أعضاء نادي الكبار... والكل يعلم علم اليقين أن الكل يتجسّس على الكل... إنه السّلوك المشروع... تحت الطاولة... بعيدا عن أعين النّاخبين الأبرياء... لأنهم هم أيضا تحت المراقبة... عمليات الجوسسة شطارة وفطنة عندما تنجح وهي لا أخلاقية... فقط عندما تفشل... عندما قام كولن باول باستعراض استخباراتي في مجلس الأمن رأينا صور أسلحة الدمار الشامل بالتفصيل ورأينا المخابر المتحركة ورأينا حتى تبّان المواطن العراقي... وبعد تدمير العراق تبين أن ما رأيناه ليس إلا صورا متحركة ضحكت بها المخابرات الأمريكية على ذقون الجميع بما فيها الأعضاء الدائمون الذين يملكون الأقمار والعيون الالكترونية والبشرية والآذان التي تسمع همس الجن... فالعراق كان خاليا من أسلحة الدمار... فعمّروه بالدمار... ولكنه صار خاليا من السيادة والكرامة... والخبز والماء... فما العجب أن نعلم الآن أن كوفي عنان واخوانه كانوا تحت الرقابة وأن رؤساء التفتيش كانوا تحت الرقابة؟ قد تسكت المدافع وتُعقد اتفاقيات السّلام ولكن السلام لا ينام... إلا بعين واحدة. أما العين الساهرة فهي جهاز المخابرات... عمل نبيل لمناعة الدول وعمل قبيح لتبرير الظلم والعدوان.... عندما انتهت الحرب الباردة ظن البعض أن جنود الاستخبارات سيركنون إلى الراحة الاجبارية ولكن تبيّن أنهم اليوم أفيد من الأمس لأن هناك الصراع الآخر الذي لا ينتهي... الصراع الاقتصادي والتكنولوجي وكل ما يتعلق بالبحوث وغزو الأسواق واستباق الآخرين... جمع المعلومات وتحليلها... جمع الجينات وتحليلها سواء تعلق الأمر بالبشر أو بالأنظمة... والمشكلة أن الغاب المتحضر الذي نعيش فيه يسمح بتحالف الأقوياء... ولا يسمح بتحالف الضعفاء... فقد تقوم الدنيا ولا تقعد لمقتل مواطن واحد... ولا يحدث شيء عندما يغتال شعب ويسرق منه وطنه... لأن الغالب يسود الغاب....