هناك وجوه ما إن تلمحها حتى تصاب بالهلع ويدبّ في عروقك الخوف وينشغل بالك هي وجوه شبحية تطل من ماض ظنّنا أنه فات بلا رجعة وحمل معه مآسيه وأوجاعه..
كوفي عنان من تلك الوجوه ارتبط اسمه بحرب الخليج حرب الأباوشة (الأب والابن)، حرب الكذب والضحك على الذقون التي دمرت العراق العظيم وقتلت أبناءه وهجرت سكانه ونسفت امكاناته وعمّقت فُرقة العرب..
كان كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الزمن المأساوي يأتي كل مساء بابتسامته الديبلوماسية الزائفة ونظرته الشاحبة ليحدثنا عن السلام الممكن والسلام المأمول والسلام الوشيك.. ذلك كان دوره في المأساة التي كانت تحبك حول العراق وشعبه دور قائد الجوق في المآسي الاغريقية القديمة وكان يؤديه باتقان مذهل، يؤذّن بالسلام الكاذب في العالم في حين كان أسياده من بني بوش يدقّون طبول حرب حقيقية مدمرة.. ولكنها حرب بسبب كاذب.
لا نعلم إلى حدّ هذه اللحظة ما إذا كان السيد عنان صدّق خرافة أسلحة الدمار الشامل التي كان بنو بوش يدعون وجودها في العراق. لكن ما نعلمه هو أن السيد عنان واصل الاضطلاع بمهامه على رأس المنتظم الأممي بعزّة وشرف حتى بعد افتضاح أمر أسلحة الدمار الشامل. ولم يبد ندما ولم يُلق عذرا ولم يُشر ولو إشارة عابرة إلى هذه الخدعة التاريخية التي أسالت أنهارا من دماء أبناء العراق.
السيد كوفي عنان عاد هذه الأيام إلى مسرح الأحداث الذي دخله باالخلع بعد أن ساعده في ذلك خلفاؤه في المنتظم الأممي ومكّنوه من دور في الأزمة السورية. وكعادته ارتدى الأمين العام السابق بدلة المفاوض ولبس قناعه المألوف وابتسامته الزائفة ونظرته الشاحبة ليذكرنا مرة أخرى أن منظمة الأممالمتحدة هي نفسها لا تتغير ولا تتبدل حتى وإن ذهب إفريقي وجاء آسيوي ثم عاد الافريقي وذهب الآسيوي. لأن هدف منظمة الأممالمتحدة إنما هو الحفاظ على حق الشعوب للاصطفاف وراء أمريكا أو وراء روسيا.
أما السلام الذي اختص كوفي عنان في الحديث عنه وتحصل فيه على جائزة نوبل فالكل يعلم أنه ذلك الشيء الذي يتبقى حين يقتسم الكبار الكعكة أي لا شيء.
ولا يسعنا ونحن نرى السيد عنان في دمشق إلا أن نقول يا ستار يا جبار!