لم يتحمّل السيد كوفي عنان أمين عام المنتظم الأممي، حتى كلمة الحق التي نطق بها متأخرا جدا. فسارع أحد مساعديه للتأكيد أنه قالها على مضض! وأنها انتزعت منه خلال حوار تلفزي ضاغط. وهذا معناه أن الأمين العام يسعى إلى التنصّل بطريقة ما من حقيقة قالها، أو انه يريد أن يرضي الأطراف التي غضبت من تصريحه، بعد أن أرضى الأطراف التي اغتبطت بما ردّد. وإذا كان مساعد الأمين العام أراد بتوضيحاته أن يبرئه من تهمة فإنه في الحقيقة لم يفعل إلا أن أضاف تهمة جديدة لها إذا لا يعقل أن يكون أمين عام الأممالمتحدة بمثل هذه الهشاشة، حيث يظهر وكأنه لا يستطيع تحمّل تبعات حقيقة رددها، ليس ليكشف سرّا وإنما ليدعم حقا ساطعا كالشمس، وإن على مستوى القول الذي لن يغيّر شيئا لا من الذي حدث ولا من الذي سيحدث. رغم ان عدم شرعية الحرب يعني لو كانت الدنيا دنيا، محاكمة قارعي طبولها مع دفع تعويضات للعراق والعراقيين. وليس غريبا بالمرة ان يحاول كوفي عنان التنصل من تصريحه أو محاولة شرحه بما لا يغضب بوش وجنوده. فخلال مسيرته في الأممالمتحدة، ظهر السيد عنان دوما في صورة الذي يريد أن لا يخسر موقعه، فقط ليس إلا خصوصا ان تجربة السيد بطرس غالي ماثلة أمامه وان الدرس الذي أعطي إياه شديد الوطأة على كلّ الطامحين. وما دام السيد عنان كذلك، فليس غريبا بالمرة أن يخرس عن الحق عندما كان واضحا ان الحرب ستقوم وان أمريكا عقدت عليها العزم. فلو شهد الأمين العام للأمم المتحدة لصالح عدم شرعيتها إبانها لربما دعّم موقفه أكثر فأكثر منطق الدول الرافضة. لكننا لم نسمع له وقتها همسا أو نحسّ له ركزا. بل ها هو اليوم يبدي تبرّمه حتى من تبعات ما قال ولو صدرت تصريحاته في صحيفة لكان السيد عنان سارع باتهامها أنها حرّفت ما قال، ونقلت عنه ما لم يرد قوله. لكن للأسف فإن أقواله هذه المرة مسجلة ومصورة بشكل لا يتيح له أي مناورة، من تلك التي تعوّد عليها مع الاعلام المكتوب، وللرجل في هذا الصدد تجارب سابقة حتى مع الصحافة الأمريكية التي كثيرا ما كذّب ما صدر فيها على لسانه. وحتى وإن لم يبحث السيد عنان عن مخرج هذه المرة، وثبت على موقفه، فإنني شخصيا لم أكن لأتحمّس لما قال ببساطة لأن قوله لن يغيّر شيئا، ولأنه في أقصى الحالات يبحث عن طهارة لوّثها طويلا صمته عن الحق، وخوفه الظاهر على منصبه، وسعيه الدائم لارضاء أمريكا وفي أقل الحالات عدم التصادم معها. تلك هي خلاصة دورتين أشرف خلالهما هذا الديبلوماسي الغاني المجهول على منصب دولي في أهمية الأمانة العامة للمنتظم الأممي. ومن يظنّ عكس هذا فليقدم لنا أيّ دليل.